مسألة : قال
الشافعي : " ولو أصدق أربع نسوة ألفا ، قسمت على قدر مهورهن ، كما لو
اشترى أربعة أعبد في صفقة ، فيكون الثمن مقسوما على قدر قيمتهم ، ( قال
المزني ) رحمه الله : نظيرهن أن يشتري من أربع نسوة من كل واحدة عبدا بثمن واحد ، فتجهل كل واحدة منهن ثمن عبدها ، كما جهلت كل واحدة منهن مهر نفسها ، وفساد المهر بقوله أولى " .
قال
الماوردي : وصورتها في رجل
تزوج أربع زوجات في عقد وأصدقهن ألفا ، فإن بين منها مهر كل واحدة منهن صح النكاح والمهر ، وإن لم يبين فالنكاح صحيح وفي المهر قولان . وهكذا لو
خالع أربع زوجات في عقد بألف صح الخلع ، وفي صحة البدل قولان .
ولو
كاتب أربعة عبيد له في عقد بألف إلى نجمين ، ففي أصل الكتابة قولان .
[ ص: 467 ] فيكون القولان في بدل النكاح والخلع مع صحة النكاح والخلع ، والقولان في الكتابة في أصلها ؛ لأن فساد البدل في الكتابة مبطل لها ، وليس فساد البدل في النكاح والخلع مبطلاهما :
أحد القولين في ذلك صحيح ووجهه شيئان :
أحدهما : أن تزويجه بأربع في عقد على صداق ألف كابتياعه أربعة أعبد في عقد بألف ، وذلك يجوز إجماعا ، فكذلك يجوز هذا حجاجا .
والثاني : أنه معقود بما يعلم به مهر كل واحدة منهن في ثاني حال بأن يقسط الألف على مهور أمثالهن ، وإن كان مجهولا في الحال فلم يمنع ذلك من الصحة ، كما لو
اشترى صبرة طعام كل قفيز بدرهم صح البيع ، وإن جهل الثمن في الحال ؛ لأنه معقود بما يصير معلوما في ثاني حال .
والقول الثاني - وهو الأصح ، اختاره
المزني - : كل ذلك باطل ، ووجهه شيئان :
أحدهما - ذكره أصحابنا - : وهو أن مهر كل واحدة منهن من الألف مجهول في حال العقد ، فلم يصح وإن أمكن العلم به من بعد العقد ، كما لو تزوج كل واحدة منهن على انفرادها بقسط مهر مثلها من الألف لم يجز على الانفراد ، فكذلك مع الاجتماع .
والثاني : ذكره
المزني ، أن تزوجه لهن بالألف كابتياعه أربعة أعبد منهن بألف ، وهو في البيع باطل ، فكذلك في الصداق باطل ؛ لأن ما بطل به أحدهما من الجهالة بطل به الآخر ، فاختلف أصحابنا فيما ذكره
المزني .
فكان
أبو العباس بن سريج يخرج هذا البيع على قولين كالصداق والخلع والكتابة ، ويسوي بين الجميع ، فعلى هذا لا يكون فيه دليل .
وقال
أبو إسحاق المروزي وأبو سعيد الإصطخري - وهو قول الأكثرين من أصحابنا - : أنه باطل ، قولا واحدا ، وإن كان الصداق على قولين ، وفرقوا بينهما من وجهين :
أحدهما : أنه لما لم يبطل النكاح بفساد الصداق ، لم يبطل الصداق بالجهالة به وقت العقد .
والثاني : أن المقصود من البيع الثمن ، فجاز أن يبطل بالجهالة به وقت العقد ، وليس المقصود من النكاح الصداق ، فجاز أن يصح ، وإن كان مجهولا وقت العقد إذا انتفت عنه الجهالة من بعد .
فأما توجيه القول الأول بأن تزويجهن على صداق ألف كابتياع أربعة أعبد من رجل بألف ، فغير صحيح ؛ لأن العقد إذا كان في كل واحد من جهتيه عاقد واحد كان عقدا واحدا ، وإذا كان في أحد جهتيه عاقدان كان عقدين ؛ ألا ترى لو اشترى رجل من رجلين عبدا ووجد بالعبد عيبا كان له رد نصف العبد على أحدهما دون الآخر ، ولو اشتراه من واحد لم يكن له ؛ لأن شراءه من اثنين يكون عقدين ، ومن الواحد يكون عقدا واحدا . كذلك إذا تزوج أربعا
[ ص: 468 ] بألف كانت أربعة عقود ، فبطل البدل للجهالة ببدل كل عقد ، ولو اشترى أربعة أعبد من رجل بألف كان عقدا واحدا ، فلم يبطل ؛ لأن الثمن فيه واحد معلوم .
وأما اعتبار ذلك بالصبرة من الطعام ، فالفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن ثمن أجزاء الصبرة معلوم ، فصار جميع الثمن به معلوما ، وليس كذلك مهور الأربع .
والثاني : أن ما ينتهي إليه العلم بثمن الصبرة تحقق ، فصار الثمن به معلوما ، وما ينتهي إليه العلم بمهر مثل كل واحدة منهن تقريب ؛ لأنه عن اجتهاد ، يختلف فيه المجتهدون ، فصار المهر مجهولا .
فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من توجيه القولين :
فإذا قلنا ببطلان الصداق ، كان لكل واحدة منهن مهر مثلها .
وإذا قلنا بصحته ، قسمت الألف على مهور أمثالهن ، وكان لكل واحدة منهن قسطا من الألف .
مثاله : أن يكون مهر مثل واحدة ألفا ، ومهر الثانية ألفين ، ومهر الثالثة ثلاثة آلاف ، ومهر الرابعة أربعة آلاف ، فنجعل الألف المسماة مقسطة على عشرة آلاف ؛ لأنها في مقابلتها فتكون التي مهر مثلها ألف عشر الألف ، وذلك مائة درهم ، وللتي مهر مثلها ألفان ، خمس الألف ، وذلك مائتا درهم ، وللتي مهر مثلها ثلاثة آلاف ثلاثة أعشار الألف وذلك ثلاثمائة درهم ، وللتي مهر مثلها أربعة آلاف خمسا الألف وذلك أربعمائة درهم .