[ القول في أقسام التفويض ]
والتفويض ضربان :
أحدهما : تفويض البضع .
والثاني : تفويض المهر .
[ القسم الأول ]
فأما تفويض البضع : فهو أن
يتزوج الرجل المرأة الثيب من وليها بإذنها ، ورضاها ، على ألا مهر لها ، فهذا نكاح التفويض ؛ لأنها سلمت نفسها بغير مهر ، وهو نكاح صحيح ثابت ، لما دللنا عليه من قول الله تعالى :
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن ،
[ ص: 473 ] ومعناه ولم تفرضوا لهن فريضة ، فأقام " أو " مقام " لم " على وجه البدل مجازا .
وقال بعض أهل العربية : في هذا الكلام حذف ، وتقديره : فرضتم أو لم تفرضوا لهن فريضة .
والفريضة : المهر المسمى ، سمي فريضة ؛ لأن فرضه لها ، بمعنى أوجبه لها ، كما يقال : فرض الحاكم النفقة إذا أوجبها ، فلما رفع عنه الجناح وأثبت فيه الطلاق دل على صحته .
ولأن المقصود من النكاح التواصل بين المتناكحين ، والمهر تبع ، بخلاف البيع الذي مقصوده ملك الثمن والمثمن ، فبطل النكاح بالجهل بالمتناكحين ؛ لأنه مقصود ، ولم يبطل بالجهل بالمهر ؛ لأنه غير مقصود ، كما أن البيع يبطل بالجهل بالثمن أو المثمن ؛ لأنه مقصود ، ولا يبطل بالجهل بالمتبايعين ؛ لأنه غير مقصود ، وإذا صح نكاح التفويض بما ذكرنا لم يجب للمفوضة بالعقد مهر لاشتراط سقوطه ، ولا لها أن تطالب بمهر ؛ لأنه لم يجب لها بالعقد مهر ، ولكن لها أن تطالب بأن يفرض لها مهرا ؛ إما بمراضاة الزوجين ، أو بحكم الحاكم ، فيصير المهر بعد الفرض كالمسمى في العقد ، أو أن يدخل الزوج بها ، فيجب لها بالدخول مهر .
فإن مات عنها قبل الدخول ، ففي وجوب المهر قولان على ما سنذكره ، فيصير المهر مستحقا بأحد أربعة أمور :
إما بأن يفرضاه عن مراضاة ، وإما بأن يفرضه الحاكم بينهما ، وإما بالدخول بها ، وإما بالموت على أحد القولين :
فإن قيل : فلم فرضتم لها مهرا ، وقد شرط أن ليس لها مهر ؟
قيل : لتخرج عن حكم الموهوبة بغير مهر التي خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون الشرط محمولا على ألا مهر لها بالعقد .
فإن قيل : فلو
نكحها على ألا مهر لها بحال ؟
قيل : في النكاح حينئذ وجهان :
أحدهما - وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة - : أن النكاح باطل ؛ لأن التزام هذا الشرط يجعلها كالموهوبة التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم بها مخصوصا .
والوجه الثاني - وهو قول
أبي إسحاق المروزي - : أن النكاح صحيح ، والشرط باطل ؛ لأن شروط المهر لا تؤثر في عقود المناكح .