فصل : فأما توجيه القولين في الذي بيده عقدة النكاح ، فاستدل من نصر قوله في القديم أنه ولي الصغيرة ، وهو مذهب
مالك من الآية بأربعة دلائل :
أحدها : أنه افتتحها بخطاب الأزواج مواجهة ، ثم عدل بقوله :
إلا أن يعفون إلى خطاب الزوجات كناية ، ثم أرسل قوله :
أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، خطابا لمكني
[ ص: 515 ] عنه غير مواجه ، والخطاب إذا عدل به عن المواجهة إلى الكناية اقتضى ظاهره أن يتوجه إلى غير المواجه ، والزوج مواجه فلم تعد إليه الكناية ، والزوجة قد تقدم حكمها ، ولفظ الكناية مذكر فلم يجز أن يعود إليها فلم يبق من يتوجه الخطاب إليه غير الولي .
والدليل الثاني من الآية قوله :
أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وليس أحد بعد الطلاق بيده عقدة النكاح ، إلا الولي ؛ لأنه يملك أن يزوجها ، فاقتضى أن يتوجه الخطاب إليه ولا يتوجه إلى الزوج الذي ليس العقد إليه ، ليكون الخطاب محمولا على الحقيقة من غير إضمار ، ولا يحمل على مجاز وإضمار .
والدليل الثالث من الآية : أن الذي يختص به الولي من النكاح أن يملك عقده ، والذي يختص به الزوج أن يملك الاستمتاع بعده ، فكان حمل الذي بيده عقدة النكاح على الولي الذي يملك عقده أولى من حمله على الزوج الذي يملك الاستمتاع بعده .
والدليل الرابع من الآية : أن الزوج غارم للباقي من نصف الصداق في حق الزوجة تقبضه الكبيرة وولي الصغيرة ، فكان توجه العفو إلى مستحق الغرم أولى من توجهه إلى ملتزم الغرم ، ولأن الله تعالى إنما ندب الزوجة إلى العفو لما تحظى به من رغبة الأزواج فيها ، فاقتضى أن يكون ولي الصغيرة مندوبا إلى مثل ما ندبت إليه الكبيرة ليتساويا في عود الحظ إليهما بترغيب الأزواج فيهما .