فصل : القسم الخامس .
وأما القسم الخامس : وهو أن تكون
الفرقة من غيرهما ، وهو أن تكون زوجته صغيرة ، فترضعها أمه أو بنته فتحرم عليه ، فتكون هذه الفرقة كالطلاق ؛ لأنها تملك بها نصف المسمى ، فوجب أن تستحق المتعة عند عدم المسمى ، وترجع بالمتعة على التي حرمتها كما ترجع عليها بصداقها ، والله أعلم .
فرع : وإذا
تزوج امرأة ، وأصدقها أن تعتق عبده سالما عنها ، صح الصداق وعليه عتقه عنها ؛ لأن المعارضة على هذا العتق جائزة ، فلو أعتقه ثم طلقها قبل الدخول ، رجع عليها بنصف قيمته ، ولو طلقها قبل الدخول وقبل عتقه عنها ، فقد اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين :
[ ص: 553 ] أحدهما : أنه يعتق عنها نصفه ، ويقوم عليها نصفه الباقي إن كانت موسرة ؛ لأن عتق نصفه كان باختيارها ، فلذلك وجب تقديم باقيه عليها .
والوجه الثاني : أنه لا يعتق عنها شيء منه ؛ لما فيه من إدخال الضرر عليها في التقويم وإدخاله على العبد ، وعلى السيد في التبعيض ، وترجع الزوجة عليه ببدله ، وفيه قولان :
أحدهما : قيمة نصف العبد .
والثاني : نصف مهر مثلها ، ليرفع ذلك الضرر عن الجميع .
فرع : وإذا
أصدق الذمي زوجته الذمية خمرا ، فصار الخمر في يد الزوج خلا بغير علاج ، وأسلم الزوجان فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يصير الخمر خلا قبل إسلامهما ، فعليه أن يدفعه إليها بعد مصيره خلا .
والضرب الثاني : أن يصير خلا بعد إسلامها ، فلا يلزمه دفعه خلا إليها ، ويدفع إليها مهر مثلها .
والفرق بينهما أنه قبل الإسلام يجوز دفعه خمرا ، فلذلك وجب دفعه بعد مصيره خلا ؛ لبقاء حكم الصداق عليه ، وبعد الإسلام لا يجوز دفعه خمرا ، فلم يجب دفعه بعد مصيره خلا ؛ لانتفاء حكم الصداق عنه ، فلو دفع الخمر إليها في الشرك ثم أسلما ، وطلقها الزوج قبل الدخول لم يرجع عليها بنصف الخمر ؛ لأن الخمر لا يستحقه مسلم ، ولا بقيمته ؛ لأننا لا نحكم له بقيمته ولا ببدله ؛ لأن ما لا قيمة له لا بدل له ، فلو كان الخمر قد صار خلا قبل طلاقه ، ففي رجوع الزوج بنصفه وجهان :
أحدهما : يرجع بنصف الخل ؛ لأن عين الصداق موجودة على صفة يجوز أن يملك معها .
والوجه الثاني : أنه لا يجوز أن يرجع بنصفه لزيادته عن حال ما أصدق ، ولا يرجع بقيمة الخمر ؛ لأنها لا تجوز فلا يرجع بشيء في هذا الطلاق ، ولا فرق هاهنا بين أن يصير خلا قبل إسلامها أو بعده ؛ لاستقرار ملكها عليه بالقبض ، ولكن لو صار خلا بعد الطلاق لم يرجع عليها بنصفه وجها واحدا ؛ لكونه وقت طلاقها غير مستحق ، ولو صار قبل طلاقها فاستهلكه ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع عليها بنصف قيمة الخل وجها واحدا ، ولا يكون له عليها شيء ؛ لأن ما يرجع الزوج به من قيمة الصداق معتبر بأقل أحواله من وقت العقد إلى وقت القبض ، وقد كان في هذه الأحوال مما لا قيمة له .
[ ص: 554 ] فرع : وإذا زوج الرجل عبده بامرأة وجعل رقبته صداقها ، فإن كانت الزوجة حرة ، فالنكاح باطل ؛ لأن تصحيح النكاح يجعلها مالكة لزوجها ، وإذا ملكت المرأة زوجها بطل النكاح .
فإن قيل : فهلا صح النكاح ، وبطل الصداق ؟
قيل : لأن هذا العقد قد أوجب أن يكون الزوج مالكا لبضعها بالنكاح ، وأن تكون الزوجة مالكة لرقبته بالصداق ، وليس إثبات أحدهما بأولى من النكاح الآخر فبطلا جميعا . وإن كانت الزوجة أمة صح النكاح والصداق جميعا ؛ لأنه يصير بهذا العقد ملكا لسيد زوجته ، وليس يمتنع أن يكون الزوجان في ملك سيد واحد ، فلو أن العبد - والمسألة بحالها - طلق زوجته الأمة قبل الدخول ، ففيه وجهان :
أحدهما : يرجع سيده المزوج له بنصفه .
والوجه الثاني : لا يرجع بشيء ، وهذان الوجهان بناء على اختلاف أصحابنا فيمن أصدق عن عبده مالا ، ثم طلق العبد قبل الدخول وقد باعه سيده ، فهل يكون نصف الصداق ملكا لسيده الأول الذي بذله عنه ، أو لسيده الثاني الذي طلق وهو في ملكه ؟ على وجهين ، ذكرناهما في كتاب النكاح ، وبالله التوفيق .