مسألة : قال
الشافعي : "
ولا يجامع المرأة في غير يومها ولا يدخل في الليل على التي لم يقسم لها ، ( قال ) : ولا بأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة ، ويعودها في مرضها في ليلة غيرها ، فإذا ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت ، ثم يوفي من بقي من نسائه مثل ما أقام عندها " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا أن عماد القسم الليل دون النهار ، لكن النهار داخل في القسم تبعا لليل ، والأولى أن يكون أول زمان القسم الليل لسعة اليوم الذي بعده ؛ لأن اليوم تبع لما تقدمه من الليل دون ما تأخر ، ولذلك كان أول الشهر دخول الليل ، فإن جعل أول زمان القسم النهار مع الليلة التي بعده جاز ، ويصير مقدما للتابع على المتبوع ، فإذا قسم لها يوما وليلة ، فعليه أن يقسم عندها ليلا لا يخرج فيه إلا من ضرورة ، ويجوز له الخروج نهارا ؛ للتصرف في أشغاله ، فإذا أراد أن يدخل على غيرها من نسائه ، فإن كان في النهار جاز أن يدخل على من شاء من نسائه دخول غير مستوطن عندها ، ولا مقيم ، بل ليسأل عنها ويتعرف خبرها ، وينظر في مصالحها ، أو مصالح نفسه عندها ، ويجوز له في دخوله عليها أن يقبلها ويمسها من غير وطء ؛ لما روينا من حديث
عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925863قل يوم إلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على نسائه ، فيدنو من كل امرأة منهن ، فيقبل ويلمس من غير مسيس ولا مباشرة ، ثم يبيت عند التي هو يومها " ، ولأن المقصود من القسم الليل دون النهار ، فإذا دخل النهار على واحدة لم يفوت على صاحبة القسم حقها منه ، وكان دخوله على غيرها من نسائه كدخوله على غير نسائه ، فأما وطؤه لغيرها في النهار فلا يجوز ؛ لأن الوطء مقصود القسم ، فلم يجز أن يفعله في زمان غيرها .
وقد روى
الحسن وقتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زوجته حفصة في يومها ، فوجدها قد خرجت لزيارة أبيها ، فاستدعى مارية ، فخلا بها ، فلما علمت حفصة عتبت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت في بيتي ، وفي يومي يا رسول الله ، فأرضاها بتحريم مارية على نفسه ، وأمرها ألا [ ص: 577 ] تخبر بذلك أحدا من نسائه ، فأخبرت به عائشة - رضي الله تعالى عنها - لمصافاة كانت بينهما ، فتظاهرتا عليه ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك [ التحريم : 1 ] ، فإن أطال المقام عند غيرها في نهار قسمها ، أو وطئ فيه غيرها لم يقض مدة مقامه ، وإن شاء ؛ لأنه أحق بالنهار منها ؛ لأنه زمان التصرف دون الإيواء ، فلم يقضه .
فأما الليل : فليس له أن يخرج من عندها فيه إلا من ضرورة ، سواء أراد الخروج إلى زوجته أو غير زوجته ؛ لأنه مقصود القسم ، فلم يجز أن يفوته عليها ، فإن دعته ضرورة إلى الخروج من عندها ليلا فخرج ، لم يأثم ، ونظر في مدة الخروج ؛ فإن كان يسيرا لا يقضي مثله كان عفوا ، وإن كان كثيرا يقضي مثله ، كأن خرج نصف الليل أو ثلثه قضاها زمان خروجه ليوفيها حقها من القسم ، ثم ينظر في مدة الخروج الذي يلزمه قضاؤه ، فإن كان لضرورة عرضت له عند غير زوجة قضاها ذلك الزمان لا من زمان واحدة من نسائه ، وإن كان قد خرج فيه إلى غيرها من نسائه لمرض خاف عليها منه فإن ماتت سقط قسمها ، وقضى صاحبة القسم ما فوته عليها من ليلتها ، وإن لم تمت قضى صاحبة القسم من ليلة المريضة ما فوته عليها من ليلتها ، فأما ما نقله
المزني عن
الشافعي : ويعودها في مرضها ليلة غيرها ، فقد كان
أبو حامد الإسفراييني ينسب
المزني إلى الخطأ في هذا النقل ، ويقول : إن
الشافعي إنما قال : ويعودها في مرضها في نهار غيرها ، وهذا الاعتراض فاسد ، ونقل
المزني صحيح ، ويجوز له أن يعودها في ليلة غيرها إذا كان مرضها مخوفا ؛ لأنه ربما تعجل موتها قبل النهار ، ففاته حضورها ، وهو المراد بما نقله
المزني ، فأما إن كان مرضها مأمونا لم يكن له عيادتها في الليل حتى يصبح ، فيعودها نهارا ، وإنما قضاء زمان الخروج وإن كان فيه معذورا ؛ لأن حقوق الآدميين لا تسقط بالأعذار ، فلو خرج في ليلتها إلى غيرها فوطئها ثم عاد إليها في الحال ، فقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يلزمه قضاؤه ؛ لقصوره عن زمان القضاء .
والوجه الثاني : يلزمه قضاء ليلة بكمالها ؛ لأن مقصود القسم في الليل هو الوطء فإذا وطئ فيه غيرها ، فكأنه فوت عليها جميع الليلة ، فلذلك لزمه قضاء جميعها من ليلة الموطوءة .
والوجه الثالث : أن عليه في ليلة الموطوءة أن يخرج من عندها إلى هذه ، فيطأها ، ثم يعود إلى تلك ليسوي بينهما في فعله ، وهذا في القضاء صحيح وفي الوطء فاسد ؛ لاستحقاق الزمان دون الوطء ، والله أعلم .
[ ص: 578 ]