الدليل على جواز الخلع
والأصل في إباحة الخلع قول الله تعالى :
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا [ البقرة : 229 ] وهذا خطاب للأزواج حذر الله تعالى عليهم أن يأخذوا من أزواجهم ما آتوهم من الصداق بغير طيب أنفسهم ، ثم قال :
إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله . والخوف هاهنا بمعنى الظن ، وتقديره إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله ومنه قول الشاعر :
أتاني عن نصيب كلام يقول وما خفت يا سلام أنك عاتب
وفيما يخافا ألا يقيماه من حدود الله تأويلان :
أحدهما : هو كراهة كل واحد منهما لصاحبه وهذا قول
ابن المسيب .
[ ص: 4 ] والثاني : أنه من الزوجة ألا تطيع له أمرا ، ومن الزوج ألا يؤدي لها حقا .
ثم قال :
فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به فيه تأويلان :
أحدهما : فيما افتدت به نفسها من الصداق الذي أعطاها لا غير ، وهو قول
علي بن أبي طالب عليه السلام .
والثاني : من جميع مالها وهو قول
عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما .
وقال تعالى :
فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا يعني من الصداق
فكلوه هنيئا مريئا فإذا أباح أن يأخذ ما طابت به نفسا من غير طلاق كان بالطلاق أولى .
ويدل عليه من السنة ما رواه
الشافعي عن
مالك عنه
يحيى بن سعيد عن
عمرة nindex.php?page=hadith&LINKID=924069أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصبح فوجدها عند بابه بالغلس ، فقال : من هذه ؟ فقلت : أنا حبيبة بنت سهل . قال : ما شأنك ؟
قلت : لا أنا ولا ثابت لزوجها ، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر ، فقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطاني عندي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها ، فأخذ منها ، وجلست في أهلها . يعني خذ منها وطلقها . فدل هذا الحديث على أحكام منها : جواز
استماع الدعوى على غائب .
ومنها : أن المدعي إذا عرف الدعوى لم يحتج الحاكم أن يعيدها عليه .
ومنها :
جواز الخلع وإن كان الزوج قد ضربها ، وإذا لم يكن الضرب لأجل الخلع .
ومنها : جواز
الخلع في الحيض والطهر لأنه لم يسأل عن حالها .
ومنها : أنه لا رجعة على المختلعة لأمره لها بالجلوس في أهلها .
فدل ما ذكرناه من الآية والخبر على جواز الخلع وهو قول الجماعة وحكي عن
بكر بن عبد الله المزني أن
الخلع منسوخ بقوله تعالى :
وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا فدلت هذه الآية على تحريم الخلع ونسخ ما تقدم من إباحته ، وهذا خطأ ، لأن هذه الآية منعت من أخذ ما لم تطب به نفسا ولم تمنع مما بذلته بطيب نفس واختيار كما قال :
فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وقد روى
عبد الله بن محمد بن عقيل أن
الربيع بنت [ ص: 5 ] معوذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضر ، ويحرمني إذا غاب ، قالت : وكانت مني زلة يوما ، فقلت : أخلع منك بكل شيء أملكه ، قال : نعم ، قالت : ففعلت فخاصم عني
معاذ بن عفراء إلى
عثمان بن عفان رضي الله عنه فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ ما دون عقاص الرأس .
وروى
أيوب عن
كثير مولى سمرة أن
عمر بن الخطاب أتي بامرأة ناشز فأمر بها إلى بيت كثير الزبل فحبسها فيه ثلاثا ثم دعاها ، فقال كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما وجدت راحة مذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني ، فقال لزوجها : اختلعها ولو من قرطها .
وهذه قضية إمامين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع لم يخالفهما فيها من الصحابة أحد ، فدل على إجماعهم على ثبوت حكمه ، ولأنه لما جاز أن يملك الزوج البضع بعوض ، جاز أن يزيل ملكه عنه بعوض كالشراء والبيع ، فيكون عقد النكاح كالشراء والخلع كالبيع .