مسألة : قال
الشافعي : " وروي عن
ابن عباس أن
الخلع ليس بطلاق وعن
عثمان قال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا ( قال
المزني ) رحمه الله وقطع في باب الكلام الذي يقع به الطلاق أن الخلع سميت فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق أو ما يشبهه من إرادة الطلاق فإن سمى عددا أو نوى عددا فهو ما نوى " .
قال
الماوردي : إذا تخالع الزوجان لم يخل عقد الخلع بينهما من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن
يعقداه بصريح الطلاق كقوله : قد طلقتك بألف ، أو فارقتك بألف أو سرحتك بألف ، فهذا صريح بغير عوض ، فكان صريحا في الطلاق مع العوض ولا يكون فسخا .
والقسم الثاني : أن
يعقداه بكنايات الطلاق ، كقوله : أنت بائن بألف ، أو أنت خلية ، أو برية بألف فهذا كناية بغير عوض ، وكناية مع العوض في الطلاق دون الفسخ ،
[ ص: 9 ] فإن أراد به الطلاق وقع واستحق به العوض ، وإن لم يرد الطلاق لم يقع ولا يستحق به العوض .
والقسم الثالث : أن
يعقداه بلفظ الخلع والمفاداة كقوله قد خالعتك بألف ، أو فاديتك بألف ، فهاتان اللفظتان كناية في الطلاق إذا تجردت عن عوض فتجري مجرى سائر كنايات الطلاق فأما مع العوض ففيهما قولان :
أحدهما : نص عليه في كتاب الأم أنه كناية في الطلاق ، لأنه لما كان كناية فيه بغير عوض كان كناية فيه مع العوض كسائر كناياته .
والقول الثاني ، وهو أصح القولين والمنصوص عليه في سائر كتبه أنه صريح لأمرين :
أحدهما : أن كتاب الله تعالى قد جاء به كما جاء بصريح الطلاق ، فاقتضى أن يكون بالنص صريحا يخرج عن حكم الكنايات .
والثاني : أن اقتران العوض به قد نفى عنه احتمال الكنايات ، فصار بانتفاء الاحتمال عنه صريحا ، فعلى هذا إذا كان صريحا فهل يكون طلاقا أو فسخا ؟ فيه قولان :
أحدهما : قاله في " الأم " و " الإملاء " و " أحكام القرآن " أنه صريح في الطلاق .
وبه قال من الصحابة
عثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، ومن الفقهاء :
الأوزاعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، ومالك وهو اختيار
المزني .
ودليله قوله تعالى :
الطلاق مرتان [ البقرة 229 ] إلى قوله :
فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] ثم قال بعده :
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] .
فلما ذكر الخلع بين طلاقين علم أنه ملحق بهما ، ولأنه لفظ لا يملكه غير الزوج فوجب أن يكون طلاقا كالطلاق ، ولأن الفسخ ما كان عن سبب متقدم كالعيوب والخلع يكون مبتدأ من غير سبب فكان طلاقا لأنه يكون من غير سبب أولى من أن يكون فسخا لا يكون إلا عن سبب ، ولأن الفسخ يوجب استرجاع البدل كالفسخ في البيع ، فلو كان الخلع فسخا لما جاز إلا بالصداق ، وفي جوازه بالصداق وغيره دليل خروجه عن الفسخ ودخوله في الطلاق .
والقول الثاني قاله في القديم أنه صريح في الفسخ وبه قال من الصحابة
عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر .
[ ص: 10 ] ومن التابعين
عكرمة وطاوس ومن الفقهاء
أحمد وإسحاق وأبو ثور .
ودليله قوله تعالى :
الطلاق مرتان إلى قوله :
فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة 229 ] ثم قال :
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة 230 ] .
ووجه الدليل من ذلك أنه لو كان الخلع طلاقا لصار مع الطلقتين المتقدمتين ثلاثا ، وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، ولما قال بعده : ( فإن طلقها ) يعني الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لأنه قد طلقها الثالثة ، وصار التحريم متعلقا بأربع لا بثلاث .
ولأن الفرقة في النكاح تكون بطلاق وفسخ ، فلما كانت الفرقة بالطلاق تتنوع نوعين بعوض وغير عوض وجب أن تكون الفرقة بالفسخ تتنوع نوعين بعوض وغير عوض ، ولأن النكاح عقد معاوضة ، فإذا لحقه الفسخ إجبارا جاز أن يلحقه الفسخ اختيارا كالبيع .
والفرق بين الفسخ والطلاق ، أنه لو نكحها بعد الفسخ كانت معه على ثلاث ولو نكحها بعد الطلاق كانت معه على اثنتين ، ولو كان قد طلقها طلقتين ثم فسخ حلت له قبل زوج ولو طلق لم تحل له إلا بعد زوج ، ولو فسخ نكاحها في ثلاثة عقود حلت به قبل زوج ولو طلقها في ثلاثة عقود لم تحل له إلا بعد زوج فهذا أصح ما عندنا من ترتيب المذهب في حكم الخلع ، ومن أصحابنا من رتبه غير هذا الترتيب
فجعل في لفظ الخلع قولين :
أحدهما : أنه فسخ ، والثاني أنه طلاق ، وهل يكون طلاقا صريحا أو كناية ؟ على قولين . ومن أصحابنا من خرجه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه فسخ ، والثاني طلاق صريح ، والثالث كناية في الطلاق .