مسألة : قال
الشافعي في كتاب الإملاء على مسائل
مالك : ولو
خلعها تطليقة بدينار على أن له الرجعة فالطلاق لازم له وله الرجعة والدينار مردود ولا يملكه والرجعة معا ولا أجيز عليه من الطلاق إلا ما أوقعه ( قال
المزني ) رحمه الله ليس هذا قياس أصله لأنه يجعل النكاح والخلع بالبدل المجهول والشرط الفاسد سواء ويجعل لها في النكاح مهر مثلها وله عليها في الخلع مهر مثلها ومن قوله لو
خلعها بمائة على أنها متى طلبتها فهي لها وله الرجعة عليها أن الخلع ثابت والشرط والمال باطل وعليها مهر مثلها ( قال
المزني ) رحمه الله ومن قوله لو
خلع محجورا عليها بمال إن المال يبطل وله الرجعة ، وإن أراد يكون بائنا كما لو طلقها تطليقة بائنا لم يكن بائنا وكان له الرجعة ( قال
المزني ) رحمه الله تعالى وكذلك إذا
طلقها بدينار على أن له الرجعة لا يبطله الشرط " .
[ ص: 14 ] قال
الماوردي : ومقدمة هذه المسألة أن الخلع ما استحق فيه العوض ، وسقطت فيه الرجعة وأن
الخلع يتم بالعوض الصحيح والفاسد والمعلوم والمجهول لكن إن كان العوض صحيحا كان المسمى في العقد هو المستحق وإن كان فاسدا فالمستحق فيه مهر المثل فامتنع بما ذكرنا أن يجتمع في الفرقة بالخلع استحقاق العوض وثبوت الرجعة ، فإن استحق العوض سقطت الرجعة وإن استحقت الرجعة سقط العوض .
فإذا ثبت هذا فصورة هذه المسألة في رجل خالع امرأته على طلقة بدينار على أن له الرجعة فشرط لنفسه الدينار والرجعة واجتماعهما متنافيان وإذا كان هكذا فلا بد من إثبات أحدهما وإسقاط الأخرى فالذي نص عليه
الشافعي ثبوت الرجعة وسقوط الدينار فيقع الطلاق رجعيا ولا شيء له .
وقال
المزني : يقع الطلاق بائنا لا رجعة فيه ، ويكون للزوج مهر المثل ، فاختار ذلك مذهبا لنفسه ، وذكر أنه قياس قول
الشافعي . ونقل
الربيع هذه المسألة ونقل جوابها ، كما نقله
المزني أن الطلاق يقع رجعيا ولا شيء للزوج ، ثم قال : وفيه قول آخر أن الطلاق يقع بائنا ويكون للزوج مهر المثل فحكى قولا ثانيا كالذي اختاره
المزني .
فاختلف أصحابنا في تخريجه قولا
للشافعي فقال بعضهم : هو قول ثان
للشافعي لأن
الربيع ثقة فيما يرويه ، وقال الأكثرون : ليس بقول
للشافعي وإنما خرجه
الربيع احتمالا ، ولم يحكه نقلا ، فليس
للشافعي إلا القول الذي نقله
المزني عنه ، ووافقه
الربيع عليه أن الطلاق يقع رجعيا ولا شيء للزوج ، والدينار مردود على الزوجة .
فأما
المزني فإنه استدل لصحة ما ذهب إليه من وقوع الطلاق بائنا واستحقاق مهر المثل بأربعة أشياء :
أحدها : أن الخلع في مقابلة النكاح ، لأن النكاح عقد والخلع حل ، ثم ثبت أن
الشرط الفاسد في النكاح يوجب ثبوت النكاح وسقوط الشرط ووجوب مهر المثل ، وجب أن يكون الشرط الفاسد في الخلع موجبا لثبوت الخلع وسقوط الشرط واستحقاق مهر المثل .
والثاني : أن ما أثبت الرجعة من الطلاق لو شرط سقوطها فيه لم يسقط ، وجب أن يكون ما انتفت عنه الرجعة من الطلاق إذا شرط ثبوتها فيها لم تثبت .
والثالث : أن
الشافعي قد قال نصا في الإملاء : لو خالعها على طلقة بمائة على أنها متى شاءت أخذت المائة وراجعها وقع الطلاق بائنا لا رجعة فيه ، وكان له مهر المثل كذلك في مسألتنا لاتفاقهما في الشرط .
[ ص: 15 ] والرابع : إن قال الاعتبار في الخلع بالرشد لأن
المحجور عليها لا يصح خلعها في الأحوال فاقتضى أن يكون خلع من لا حجر عليها صحيحا في الأحوال .
والدليل على ثبوت الرجعة وسقوط العوض أربعة أشياء :
أحدها : أنه لما تنافى ثبوت الرجعة واستحقاق العوض ولم يكن بد من ثبوت أحدهما وإسقاط الآخر كان ثبوت الرجعة وسقوط العوض أولى من ثبوت العوض وسقوط الرجعة لأن الرجعة تثبت بغير شرط والعوض لا يثبت إلا بشرط وما ثبت بغير شرط أقوى مما لا يثبت إلا بشرط .
والثاني : أن في إثبات الرجعة وإسقاط العوض تصحيحا لأحد الشرطين وإبطالا للآخر وفيما قال
المزني إبطال للشرطين من الرجعة والعوض المسمى وإثبات لثالث لم يتضمنه الشرط وهو مهر المثل فكان ما أثبت أحد الشرطين أولى مما نفاهما وأثبت غيرهما .
والثالث : أنه لما تعارض الشرطان وتنافى اجتماعهما ولم يكن إثبات أحدهما أولى من الآخر وجب إسقاطهما واعتبار طلاق لا شرط فيه وذلك موجب الرجعة فلذلك ثبتت الرجعة .
والرابع : أن الاعتياض على زوال الملك يكون مقصورا على ما قصد زواله من الملك اعتبارا بالبيع والإجارة لا يدخل فيهما إلا المسمى والزوج لم يزل ملكه عن البضع إلا مع استيفاء الرجعة فلم يجز أن يزول ملكه عن الرجعة فأما استدلال
المزني الأول بالنكاح فهو دليلنا ، لأن فساد الشرط في النكاح إذا عاد إلى العوض لم يفسد النكاح ، كذلك الخلع إذا عاد فساد الشرط إلى العوض لم يفسد الخلع ، وفساد الشرط في النكاح إذا عاد إلى البضع كالشغار والخيار أوجب فساد النكاح ، كذلك في الخلع إذا عاد فساد الشرط فيه إلى البضع أوجب فساد الخلع .
وأما الاستدلال الثاني بأن ما ثبت فيه الرجعة لم يسقط بالشرط كذلك ، فأسقطت فيه الرجعة لم تثبت بالشرط فهو إلزام العكس ، وهذا لا يلزم . ثم المعنى في الموضعين بقاء الرجعة بعد النكاح .
وأما الاستدلال الثالث بمسألة الإملاء ، فقد كان بعض أصحابنا ينقل جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى ، ويخرجها على قولين ، وفرق سائرهم بين المسألتين بأنه في مسألة الكتاب لم يملكها نفسها لاشتراط الرجعة في الحال ، فلذلك ثبت حكمها ، وبطل العوض .
[ ص: 16 ] وفي مسألة الإملاء قد ملكها نفسها بسقوط الرجعة ، وإنما شرط حدوث خيار لها في ثبوت الرجعة فلذلك ثبت حكم العوض وبطلت الرجعة .
وأما الاستدلال الرابع بالمحجور عليها فهو أوهى استدلال ذكره وليس إذا فسد عقد المحجور عليه في الأحوال ما أوجب ألا يصح عقد غير المحجور عليه في الأحوال كالبيوع وسائر العقود والله أعلم .