مسألة : قال
الشافعي : " ولو قالت اخلعني على ألف كانت له ألف ما لم يتناكرا " .
[ ص: 36 ] قال
الماوردي : قد ذكرنا أن
الخلع عقد معاوضة كالبيع ينزل الزوج فيه منزلة البائع ، والزوجة منزلة المشتري ، ويكون العوض فيه كالثمن ، فلم يكن بد من أن يكون العوض معلوم القدر والجنس والصفة ، لينتفي عنها الجهالة كالأثمان ، وإذا كان كذلك فصورة مسألتنا في امرأة خالعت زوجها على ألف ، قال
الشافعي : له الألف ، ما لم يتناكرا .
فنقول : إن هذه الألف قد استفيد بها معرفة القدر ، وبقي الجنس والصفة ، فلا يخلو حالها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يذكر الجنس والصفة فيقولا : ألف درهم راضية فيستفاد بذكر الدراهم الجنس ويستفاد بذكر الرضية الصفة فيصير هذا العوض معلوم القدر والجنس والصفة .
فعلى هذا إن تناكرا الصفة مع اتفاقهما في القدر والجنس ، فقال الزوج : هي راضية ، وقالت الزوجة : هي سلامية .
وإن اختلفا ولا بينة لواحد منهما تحالفا كما يتحالف المتبايعان إذا اختلفا فلو كانت قيمة الراضية كقيمة السلامية تحالفا ، ولم يمنع تساوي قيمتها من تحالفهما ، لأنه قد يكون في أحد النوعين غرض ، وإن لم يختص بزيادة قيمة .
وإن اختلفا في الجنس فقال الزوج : ألف دينار ، وقالت الزوجة : ألف درهم ، تحالفا أيضا ، وحكم للزوج مع تحالفهما بمهر المثل ، لأن البضع قد صار مستهلكا بالطلاق المطلوب ، فاستحق الزوج قيمته وقيمة مهر المثل ، وجرى مجرى تحالفهما في البيع بعد استهلاك المشتري للسلعة ، فيلزمه قيمتها .
وإن اختلفا في القدر فقال الزوج : على ألف ، وقالت الزوجة : على مائة ، تحالفا ورجع الزوج عليها بعد التحالف بمهر المثل قليلا كان أو كثيرا ، فهذا قسم .
والقسم الثاني : أن يذكر الجنس ويغفلا ذكر الصفة فيقولا على ألف درهم ، فينتظر فإن كان للبلد نقد غالب في الدراهم انصرف إطلاق الجنس إلى الأغلب من دراهم البلد ، لأنه عرف يحمل المطلق عليه ، كما تقول فيمن باع عبدا بألف درهم لم يصفها أنها تكون من غالب دراهم البلد ، فلو كان للبلد أنواع من الدراهم ، وليس أحدها بأغلب من غيره بطل البيع ، وفسد الخلع ، لأنه لم يوجد عرف يحمل المطلق عليه ، وإذا حمل إطلاق الدراهم على الأغلب من دراهم البلد فاختلفا في الجنس والقدر تحالفا .
كذلك لو اختلفا في الإطلاق فادعاه أحدهما ليستحق به الأغلب من دراهم البلد فاختلفا في الجنس أو القدر تحالفا وادعى غيره تعيينه بصفة من دراهم غيرها تحالفا وحكم له بمهر المثل من غالب نقود المهر .
[ ص: 37 ] والقسم الثالث : ألا يذكر بعد القدر جنسا ولا صفة فيقولان على ألف ولا يقولا من أي شيء فهذا على ضربين : أحدهما : أن يكونا قد أشارا إلى جنس وصفة قد تقررا بينهما قبل العقد ، فيحملان على ذلك ، لأنه معلوم عندهما وإن كان مجهولا عند غيرهما فإن اختلفا في ذلك تحالفا على ما مضى .
والضرب الثاني : ألا يشيرا بذلك إلى شيء من الأجناس فهذا خلع فاسد يقع فيه الطلاق بائنا ويستحق فيه الزوج مهر المثل ، لأن إطلاق القدر يتناول كل جنس من دراهم ودنانير وثياب وعبيد فصار العوض مجهولا فبطل ولم يبطل الخلع ، لاستهلاك البضع فيه بالطلاق ، فأوجب مهر المثل ، لأنه عن بدل فاسد .
فإن قيل : فهلا حملتم إطلاق الألف على الأغلب مما يتعامل به أهل البلد وهو الدراهم كما حملتم إطلاق الدراهم على الأغلب من دراهم البلد .
قيل : لأنه إذا لم يذكر الجنس كثرت فيه الجهالة فبطل ، وإذا ذكر الجنس قلت فيه الجهالة فصح فعلى هذا إن اختلفا في هذا القسم فهو على ضربين :
أحدهما : أن يدعي أحدهما إطلاق الألف ويدعي الآخر تعيينها بذكر الجنس فإنهما يتحالفان ، لأن مدعي إطلاق الألف يدعي مهر المثل ، ومدعي ذكر الجنس يدعيها من ذلك الجنس فيتحالفان ومدعي مثل هذا في البيع لا يوجب التحالف ، لأن أحد المتبايعين لو قال : تبايعنا هذا العبد بألف لم نسمها وقال الآخر بل بألف سميناها وذكر جنسها فلا تحالف بينهما ويكون القول قول من أنكر ذكر الجنس لأنه يذكر فساد العقد والآخر يدعي صحته ، وإذا اختلفا في صحة البيع وفساده فالقول قول من ادعى فساده دون صحته ، لأنه منكر للعقد وليس كذلك الخلع لأن الطلاق يقع في صحيحه وفاسده فتحالفا على صحيحه وفاسده .
والضرب الثاني : ألا يدعي أحدهما ذكر الجنس ولكن يقول أحدهما : أردناه بقلوبنا ويقول الآخر : لم نرده ، أو يقول أحدهما : أردنا الدراهم ، ويقول الآخر : أردنا الدنانير ففي جواز تحالفهما فيه وجهان :
أحدهما : لا يجوز لأن ضمائر القلوب لا تعلم إلا بالقول .
والوجه الثاني : يجوز أن يتحالفا لأنه قد يكون بينهما من أمارات الأحوال ما تدل على ضمائر القلوب كالأحوال والله أعلم .