فصل : وأما الفصل الثاني : من
هيئة الجهر والإسرار ، فإن كان المصلي منفردا أسر به ، وإن كان إماما فعلى وجهين :
أحدهما : يسر به ، لأنه دعاء وموضوعه الإسرار قال الله تعالى :
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها [ الإسراء : 11 ]
والوجه الثاني : يجهر به كما يجهر بقول سمع الله لمن حمده ، لكن دون جهر القراءة ، فإذا قيل إن الإمام يسر في القنوت قنت المأموم خلفه سرا ، وإن قيل يجهر به سكت المأموم مستمعا لم تفسد صلاته ، لأنه ذكر مشروع ، ولو سكت وقد أمر بالقنوت لم يلزمه سجود السهو ، لأنه خلف الإمام ، ولكن لو
تركه الإمام والمنفرد ناسيا فعليه سجود السهو ، ولو
تركه عامدا كان في سجود السهو وجهان :
أحدهما : لا سجود عليه للسهو ، لأنه ليس بساه
والثاني : عليه سجود السهو ، لأنه لما لزمه الساهي كان العامد أولى به
فأما الفصل الثالث : في
محل القنوت فمحله بعد الركوع إذا فرغ من قول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فحينئذ يقنت
وقال
أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : يقنت قبل الركوع بعد فراغه من القراءة إلا أن
أبا حنيفة يقول يكبر ويقنت
وقال
مالك : يقنت من غير تكبير ، واستدلوا بما روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع ، وبأن
عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، قنت قبل الركوع
ودليلنا رواية
أيوب عن
محمد بن سيرين nindex.php?page=hadith&LINKID=921293عن أنس أنه سئل هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟ فقال : نعم فقيل له : قبل الركوع أو بعده ؟ قال : بعد الركوع بيسير
وروى
أبو هريرة وخفاف بن إيماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع ، ولأن القنوت دعاء ، ومحل الدعاء بعد الركوع فوجب أن يؤتى به في محله ، ولأن ما شرع من الذكر قبل الركوع فمحله قبل القراءة كالتوجه والاستعاذة ، فلما ثبت أن القنوت لا يتقدم القراءة ثبت أنه لا يتقدم الركوع ، فأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع فلا أصل له ، وأما قنوت
عثمان ، رضي الله عنه ، قبل الركوع فقد كان يقنت قبل الركوع زمانا طويلا ، ثم قال قد كثر الناس فأرى أن يكون القنوت قبل الركوع ليلحق الناس الركعة ولا تفوتهم ، وكان هذا منه رأيا رآه ، وقد قنت
أبو بكر ، وعمر ، رضي الله عنه ، بعد الركوع ، فإذا ثبت أن محل القنوت بعد الركوع فإن
خالف وقنت قبل الركوع ، فإن كان مالكيا يرى ذلك مذهبه أجزأه ولا سجود للسهو عليه وإن كان شافعيا لا يراه مذهبا ففي إجزائه وجهان :
[ ص: 155 ] أحدهما : أنه يجزئه ، ولا سجود للسهو عليه لموضع الاختلاف فيه
والوجه الثاني : لا يجزئه لتقديمه قبل محله كتقديمه التسبيح ، فعلى هذا يعيد القنوت بعد الركوع ، وفي سجوده للسهو وجهان :
أحدهما : عليه سجود السهو ، لأنه أوقع القنوت في غير محله فصار كمن قدم التشهد الأول قبل محله
والوجه الثاني : لا سجود للسهو عليه ، لأنه ذكر فلم يلزمه في تقديمه على محله سجود السهو كالتسبيح