الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثاني : من هيئة الجهر والإسرار ، فإن كان المصلي منفردا أسر به ، وإن كان إماما فعلى وجهين :

أحدهما : يسر به ، لأنه دعاء وموضوعه الإسرار قال الله تعالى : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها [ الإسراء : 11 ]

والوجه الثاني : يجهر به كما يجهر بقول سمع الله لمن حمده ، لكن دون جهر القراءة ، فإذا قيل إن الإمام يسر في القنوت قنت المأموم خلفه سرا ، وإن قيل يجهر به سكت المأموم مستمعا لم تفسد صلاته ، لأنه ذكر مشروع ، ولو سكت وقد أمر بالقنوت لم يلزمه سجود السهو ، لأنه خلف الإمام ، ولكن لو تركه الإمام والمنفرد ناسيا فعليه سجود السهو ، ولو تركه عامدا كان في سجود السهو وجهان :

أحدهما : لا سجود عليه للسهو ، لأنه ليس بساه

والثاني : عليه سجود السهو ، لأنه لما لزمه الساهي كان العامد أولى به

فأما الفصل الثالث : في محل القنوت فمحله بعد الركوع إذا فرغ من قول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فحينئذ يقنت

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : يقنت قبل الركوع بعد فراغه من القراءة إلا أن أبا حنيفة يقول يكبر ويقنت

وقال مالك : يقنت من غير تكبير ، واستدلوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع ، وبأن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، قنت قبل الركوع

ودليلنا رواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس أنه سئل هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟ فقال : نعم فقيل له : قبل الركوع أو بعده ؟ قال : بعد الركوع بيسير

وروى أبو هريرة وخفاف بن إيماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع ، ولأن القنوت دعاء ، ومحل الدعاء بعد الركوع فوجب أن يؤتى به في محله ، ولأن ما شرع من الذكر قبل الركوع فمحله قبل القراءة كالتوجه والاستعاذة ، فلما ثبت أن القنوت لا يتقدم القراءة ثبت أنه لا يتقدم الركوع ، فأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع فلا أصل له ، وأما قنوت عثمان ، رضي الله عنه ، قبل الركوع فقد كان يقنت قبل الركوع زمانا طويلا ، ثم قال قد كثر الناس فأرى أن يكون القنوت قبل الركوع ليلحق الناس الركعة ولا تفوتهم ، وكان هذا منه رأيا رآه ، وقد قنت أبو بكر ، وعمر ، رضي الله عنه ، بعد الركوع ، فإذا ثبت أن محل القنوت بعد الركوع فإن خالف وقنت قبل الركوع ، فإن كان مالكيا يرى ذلك مذهبه أجزأه ولا سجود للسهو عليه وإن كان شافعيا لا يراه مذهبا ففي إجزائه وجهان :

[ ص: 155 ] أحدهما : أنه يجزئه ، ولا سجود للسهو عليه لموضع الاختلاف فيه

والوجه الثاني : لا يجزئه لتقديمه قبل محله كتقديمه التسبيح ، فعلى هذا يعيد القنوت بعد الركوع ، وفي سجوده للسهو وجهان :

أحدهما : عليه سجود السهو ، لأنه أوقع القنوت في غير محله فصار كمن قدم التشهد الأول قبل محله

والوجه الثاني : لا سجود للسهو عليه ، لأنه ذكر فلم يلزمه في تقديمه على محله سجود السهو كالتسبيح

التالي السابق


الخدمات العلمية