الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا عكس مسألة الكتاب فقال : إن كنت حائلا فأنت طالق فهو ممنوع من وطئها حتى يستبرئها لجواز أن تكون حاملا فتطلق ، وفي هذا المنع وجهان :

أحدهما : أنه منع تحريم كالمنع في قوله : إن كنت حائلا فأنت طالق .

والوجه الثاني : أنه كراهة لا تحريم وقد أشار إليه الشافعي في " الإملاء " ، والفرق بين أن يعلق طلاقها بوجود الحمل فيكون المنع لكراهة لا لتحريم وبين أن يعلقه بعدم الحمل فيكون المنع منع تحريم هو أن الأصل ألا حمل فحرم وطئها ، إذا علقه بعدمه ، ولم يحرم إذا علقه بوجوده . وإذا لزم استبراؤها لوطئه لم يخل حاله من أن يكون قد استبرأها قبل عقد طلاقها ، أو لم يستبرئها ، فإن لم يكن قد استبرأها فعليه أن يستبرئ ، وفي قدر ما يستبرئ به وجهان :

أحدهما : بثلاثة أقراء هي ثلاثة أطهار لأن استبراء الحرة لا يكون بأقل منها كالعدة .

والوجه الثاني : أنه يستبرئها بقرء واحد لأنه استبراء لاستباحة الوطء وليس باستبراء من فرقة ، فجرى مجرى استبراء الأمة المشتراة والمسبية وخالف الاستبراء في المسألة المتقدمة ، لأنه استبراء الفرقة ، فعلى هذا هل يكون القرء طهرا أو حيضا ؟ فيه وجهان من اختلاف الوجهين في استبراء الأمة :

أحدهما : أنه الطهر . [ ص: 148 ] والثاني : أنه الحيض ، وإن كان قد استبرأها قبل عقد طلاقه ، ففي إجزائه عن استبرائه بعد عقده وجهان :

أحدهما : يجزئ ، لأنه قد يعلم به براءة الرحم .

والوجه الثاني : أنه لا يجزئ ، لتقدمه على سببه ، كما لا يجزئ استبراء أمة قبل الشراء عن أن يستبرئها بعد الشراء ، وإذا كان كذلك لم يخل حالها بعد الاستبراء من أن تظهر بها أمارات الحمل أو لا تظهر ، فإن لم تظهر بها أمارات الحمل ولا استرابت بنفسها بعد زمان الاستبراء فهي على الزوجية وله وطؤها ، وإن ظهر بها أمارات الحمل انتظر به حال الوضع ، ولا يخلو حاله إذا وضعته من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تضعه لأقل من ستة أشهر من وقت عقده فالطلاق به واقع لعلمنا بوجوده وقت العقد وقد انقضت العدة بانفصاله ، وسواء كان قد وطئها ما بين عقد طلاقه ووضعه أم لا .

والقسم الثاني : أن تضعه لأكثر من أربع سنين من وقت عقده ، فلا طلاق عليه لعلمنا أنه كان معدوما عند عقده ، والولد لاحق به ، سواء كان يطأ أم لا ، لأنها فراش له .

والقسم الثالث : أن تضعه لأكثر من ستة أشهر ولأقل من أربع سنين ، فلا يخلو حال الزوج من أن يكون قد وطئ في هذه المدة أو لم يطأ ، فإن لم يطأ طلقت ، لعلمنا بوجوده حكما وقت العقد ، وإن وطئ فلا يخلو أن تضعه قبل ستة أشهر من وطئه ، أو بعدها ، فإن وضعته قبل ستة أشهر من وطئه فهو حمل متقدم عند العقد ، فالطلاق واقع بوضعه منقضية ، وإن وضعته بعد ستة أشهر من وطئه فقد يجوز أن يكون متقدما ، ويجوز أن يكون حادثا ، والطلاق لا يقع بالشك فلا يلزمه الطلاق وجها واحدا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية