فصل : وإذا تمهد
حكم الكناية وأن الطلاق لا يقع بها إلا مع النية ، فإن تجردت عن النية لم يقع بها طلاق ، لأن قوله : أنت خلية يحتمل خلية من خير ، وخلية من شر وخلية من زوج فلم يحمل على إحدى احتمالاته بغير نية ، وكذلك قوله : أنت بائن يحتمل من الخير والشر والزوج وكذلك سائر الكنايات ، يتقابل فيها الاحتمال ، فلم يقع بها طلاق من غير نية ، فأما
إذا وجدت الكناية ونية الطلاق ، فلا يخلو حال النية من أربعة أقسام :
أحدها : أن تكون النية متقدمة على جميع اللفظ ، فلا يقع الطلاق ، ولأن النية تجردت عن لفظ فلم يقع بها طلاق ، واللفظ تجرد عن نية ، فلم يقع به طلاق .
والقسم الثاني : أن تكون النية متأخرة عن جميع اللفظ ، فلا يقع الطلاق أيضا ، لما ذكرنا أن اللفظ لما تجرد عن النية لم يقع به طلاق ، والنية لما تجردت عن اللفظ لم يقع بها طلاق .
مثال هذين :
نية الصلاة ، إن تقدمت على الإحرام لم تصح ، وإن تأخرت عنه لم تصح .
[ ص: 164 ] والقسم الثالث : أن تكون النية مقارنة لجميع اللفظ ، فتوجد من أول اللفظ إلى آخره فالطلاق واقع ، باللفظ والنية معا ، ولا يكون وقوعه بأحدهما ، وإن كان اللفظ هو المغلب لظهوره .
والقسم الرابع : أن توجد النية في بعض اللفظ وتعدم في بعضه ، إما أن توجد في أوله وتعدم في آخره ، أو توجد في آخره ، وتعدم في أوله ، مثل أن يقول لها : أنت بائن ، فينوي عند قوله : " أنت با " بترك النية عند قوله " ئن " ، أو يترك النية عند قوله : " أنت با " وينوي عند قوله " ئن " ، ففي وقوع الطلاق به وجهان لأصحابنا :
أحدهما : لا يقع اللفظ إذا اعتبرت فيه النية ، كان وجودها عند بعضها ، كعدمها في جميعه كالنية في تكبيرة الإحرام .
والوجه الثاني : أن الطلاق واقع ، لأن استصحاب النية في جميع ما يعتبر فيه النية ليس بلازم كالصلاة لا يلزم استصحاب النية في جميعها .
والأصح عندي ، أن ينظر في النية فإن وجدت في أول اللفظ ، وقع به الطلاق ، وإن عدمت في آخره ، كالصلاة إذا وجدت النية في أولها ، جاز أن تعدم في آخرها ، وإن وجدت النية في آخر اللفظ وعدمت في أوله ، لم يقع له الطلاق ، كالنية في آخر الصلاة ، ولأن النية إذا انعقدت مع أول اللفظ ، كان باقيه راجعا إليها ، وإذا خلت من أوله صار لغوا وكان ما بقي منه مع النية ناقصا ، فخرج من كنايات الطلاق ، وهذا التفصيل أشبه بنص
الشافعي ، لأنه قال : لم يكن طلاقا حتى يبتدأ ونيته الطلاق ، فاعتبرها في ابتداء اللفظ والله أعلم .