الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن ستر العورة واجب انتقل الكلام إلى تقدير العورة وتحديدها ، فنبدأ بعورة المرأة الحرة لبداية الشافعي بها ، فالمرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها إلى آخر مفصل الكوع ، وقال داود بن علي ، وابن جرير الطبري : العورة هي السوأتان القبل والدبر من الرجال والنساء والأحرار والعبيد ، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة وأحمد بن حنبل : جميع المرأة مع كفيها ووجهها عورة ، فأما داود فاستدل بقوله تعالى : فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال : فلما غطيا القبل والدبر ، علم أن ما سواهما ليس بعورة ، وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في بعض حوائط المدينة وفخذه مكشوفة ، فدخل أبو بكر ، رضي الله عنه ، فلم يغطه ، ثم دخل عمر ، رضي الله عنه ، فلم يغطه ، ثم دخل عثمان ، رضي الله عنه ، فغطاه رسول الله فقيل له : سترته من عثمان ولم تستره من أبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما ، فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " . قالوا : فلو كان الفخذان عورة ما استحسن ولا استجاز كشفه بحضرة أبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما

والدلالة عليه قوله سبحانه : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] . قال ابن عباس : منها الوجه والكفان

وروت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ فقال : نعم إذا كان الدرع سابغا يغطي قدميها

وروى مالك بن أنس عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بئر حمل وأنا مكشوف الفخذ فقال : " غط فخذك فإنها عورة

[ ص: 168 ] وقد روى عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا علي لا تنظر إلى فخد حي ولا ميت فإنها عورة

فأما الآية فلا دلالة لهم فيها ، لأن قوله تعالى : يخصفان عليهما من ورق الجنة [ طه : 121 ] . المراد به على أبدانهما ، وأما الخبر فقد رواه علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، أنه كان مكشوف الساق ، فلما دخل عثمان ، رضي الله عنه ، غطاه والساق ليس بعورة على أنه لو صح ما رواه لاحتمل أمرين :

أحدهما : أن أبا بكر ، وعمر كانا من جهة لا يريان فخذه ودخل عثمان رضي الله عنه من جهة يشاهد فخذه

والثاني : أن يكون قد كشف قميصه عن فخذه وستره بسراويله استئناسا بهما لأنهما صهراه ، فلما دخل عثمان عليه استحى فغطاه ، لأنه كان رجلا كثير الحياة ألا تراه صلى الله عليه وسلم وصفه بالحياء فقال : " إنعثمان رضي الله عنه حيي " على أن المقصود بهذا الحديث إكرام عثمان وإبانة فضله

التالي السابق


الخدمات العلمية