الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال إذا رأيت هلال شهر كذا حنث إذا رآه غيره إلا أن يكون أراد رؤية نفسه " .

قال الماوردي : وهذا كما قال إذا قال : إذا رأيت هلال شهر رمضان فأنت طالق ، فإن رآه جميع الناس طلقت إجماعا ، وإن رآه الناس دونه طلقت عندنا ، وقال أبو حنيفة : لا تطلق متى يراه بنفسه ، لأن تعليق الحنث برؤيته لا يوجب وقوعه برؤية غيره ، كما لو قال : إذا رأيت زيدا فأنت طالق ، فرآه غيره ، لم تطلق ، وهذا فاسد ، لأن الشرع قد قرر أن رؤية غيره للهلال كرؤيته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته .

ثم عليه أن يصوم ويفطر برؤية غيره ، فوجب أن يكون إطلاق رؤية الشهر محمولا على ما قيده الشرع وليس كذلك ، إذا علقه برؤية زيد ، لأن الشرع ما جعل رؤية الغير له كرؤيته ، فعلى هذا لو قال : أردت رؤية نفسي ، دين فيما بينه وبين الله تعالى ، على ما نوى ، ولم يحنث إلا برؤية نفسه وحنث في ظاهر الحكم برؤية غيره ، فلو رآه وقد أراد رؤية نفسه في نهار آخر يوم من شعبان قبل غروب شمسه ، ففي حنثه وجهان :

أحدهما : يحنث ، لأنه هلال شهر رمضان وإن تقدمه .

والوجه الثاني : وقد أشار إليه الشافعي في الأم ، أنه لا يحنث ، لأن هلال الشهر ما كان مرئيا فيه ، فلو لم ير هلال رمضان في أوله حتى صار قمرا ففيه وجهان :

أحدهما : يحنث تغليبا للإشارة ، إلا أن يريد حقيقة الاسم .

والوجه الثاني : لا يحنث اعتبارا بحقيقة الاسم إلا أن يريد الإشارة ، واختلفوا متى يصير الهلال قمرا ، فقال قوم : يصير قمرا بعد ثلاث .

وقال آخرون : إذا استدار .

وقال آخرون : إذا بهر ضوؤه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية