مسألة : قال
الشافعي : " ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح إذا
قال لها : إذا قدم زيد ، فأنت طالق ، فلا يخلو قدوم زيد من أربعة أقسام :
أحدها : أن يقدم بنفسه مختارا للقدوم ، عالما لليمين ، فالطلاق واقع ، سواء قدم من مسافة بعيدة ، يقصر في مثلها الصلاة ، أو من مسافة قريبة لا يقصر في مثلها الصلاة ، لأنه في الحالين قادم وسواء كان صحيحا أو مريضا : لأنه فعل القدوم بنفسه .
والقسم الثاني : أن يقدم بزيد ميتا أو مكرها محمولا ، فلا طلاق عليه ، لأنه جعل صفة الطلاق فعل زيد للقدوم ، فإذا قدم بزيد ميتا أو مكرها ، فهو مفعول به وليس بفاعل ، فلم توجد صفة الطلاق فلم يقع .
والقسم الثالث : أن يقدم زيد بنفسه مكرها مخوفا غير مختار ، ففي وقوع الطلاق قولان :
أحدهما : يقع لوجود القدوم منه ، فاستوى فيه المكره والمختار .
والقول الثاني : لا يقع لعدم القصد ، فأشبه المحمول ، وهكذا حكم الإكراه على الأكل والفطر على هذين القولين .
والقسم الرابع : أن يقدم زيد ، وهو غير عالم بيمين الحالف ، أو علم بها ، فقدم ناسيا لليمين ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن لا يكون القصد باليمين منع زيد من القدوم ، إما لأن زيدا سلطان لا يمتنع من القدوم بيمين هذا الحالف ، أو يكون مجنونا أو صغيرا لا قصد له ، فالطلاق هاهنا واقع بقدومه : لأنه طلاق بصفة محضة لا يراعى فيها القصد ، وقد وجدت فوقع بها الطلاق كما لو قال :
إذا دخل الحمار هذه الدار أو طار الغراب فأنت طالق ، فدخل الحمار وطار الغراب ، وقع الطلاق وإن كان من غير ذي قصد .
[ ص: 213 ] والضرب الثاني : أن يقصد الحالف بيمينه منع زيد من القدوم : لأنه ممن يقبل قوله أو يتمثل أمره فهذه يمين محضة ، وفي وقوع الطلاق بها بقدوم زيد من غير قصد ولا علم قولان ، من حنث الناس في قول
البغداديين .
وقال
البصريون من أصحابنا : يحنث قولا واحدا ، لأن القصد إنما يراعى في فعل الحالف لا في فعل المحلوف عليه : لأن الحالف لا بد أن يكون ذا قصد ، فجاز أن يراعى القصد في أفعاله ، وقد يجوز أن يكون المحلوف عليه ، غير ذي قصد ، فلم يراع القصد في أفعاله والله أعلم .