مسألة : قال
الشافعي : ولو
قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين فهي واحدة ولو
قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا فهي ثلاث إنما يجوز الاستثناء إذا بقى شيئا فإذا لم يبق شيئا فمحال " .
قال
الماوردي : أما الاستثناء فهو ضد المستثنى منه ، لأنه يخرج منه ما لولاه لكان داخلا فيه ، فيكون من الإثبات نفيا ومن النفي إثباتا ، فإذا قال : جاءني القوم إلا
[ ص: 249 ] زيدا ، فقد أثبت مجيء القوم إليه ، ونفى مجيء زيد إليه ، لاستثنائه منهم ولو قال : ما جاءني أحد إلا زيدا ، فقد نفى مجيء أحد وأثبت مجيء زيد لاستثنائه ممن نفى ، وإذا عاد الاستثناء إلى جملة ، كان المراد بها ، ما بقي بعد الاستثناء منها ، فإذا قال : له عشرة إلا ثلاثة كان إقراره بسبعة ، ولم يكن فرق بين أن يقول مبتدئا : علي سبعة وبين قوله : له علي عشرة إلا ثلاثة .
قال الله تعالى :
فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما [ العنكبوت : 14 ] . فكان كقوله : تسعمائة وخمسين عاما ، ويجوز أن يأتي استثناء ثاني بعد أول ، وثالث بعد ثاني فيعود الأول إلى المستثنى نقص فيه إثباتا كان الاستثناء الأول نفيا ، والثاني إثباتا ، والثالث نفيا لما ذكرنا ، من أن حكم الاستثناء ضد حكم المستثنى منه .
مثاله : أن يقول : له عشرة إلا سبعة إلا خمسة ، فيكون مقرا بثمانية ، لأن قوله له علي عشرة إثبات ، فكان قوله إلا سبعة نفيا لها من العشرة ، فسقطت منها بقيت ثلاثا ، فلما قال : إلا خمسة عاد إلى السبعة وهي نفي ، فكانت الخمسة إثباتا فزيدت على الثلاثة الباقية من العشرة ، فصارت ثمانية ، وصار مستثنا لاثنتين من عشرة ، لأن الخمسة المستثناة من السبعة يبقى منها اثنتان فصار هو المستثنى من العشرة ، وشاهده من كتاب الله تعالى قوله في قصة
إبراهيم ولوط :
قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته [ الحجر : 58 ، 60 ] فاستثنى
آل لوط بالنجاة من القوم المجرمين في الهلاك ثم استثنى
امرأة لوط من
آل لوط المنجون من الهلاك ، فصارت من الهالكين ، فأما إذا كان بعد الاستثناء الأول يأتي بواو العطف ، كانا استثناء واحدا كقوله : علي عشرة إلا أربعة إلا ثلاثة ، فيكون كقوله : علي عشرة إلا سبعة ، فيكون عليه ثلاثة ، لأن واو العطف تجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم ، ومتى كان الاستثناء رافعا لجميع المستثنى منه بطل الاستثناء وثبت المستثنى منه ، كقوله له علي عشرة إلا عشرة ، ثبت إقراره بالعشرة وبطل استثناؤه للعشرة ، لأن الاستثناء موضوع لإبقاء بعض الجملة لا لرفعها ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول : جاء بنو تميم إلا بني تميم ، ويحسن أن يقول : إلا الصبيان ، لأنه في الأول رافع ، وفي الثاني مبق ، ويجوز أن يكون الاستثناء رافعا للأول ، مبقيا للأكثر إجماعا ، كقوله : علي عشرة إلا درهما ، فيبقى تسعة يكون مقرا بها . فأما إذا كان رافعا للأكثر مبقيا للأقل جاز على قول جميع الفقهاء وأكثر أهل العربية ، فيقول : له علي عشرة إلا تسعة ، فيكون مقرا بدرهم . وحكي عن ابن درستويه من النحاة ، أنه أبطل الاستثناء إذا كان رفع الأكثر ، وأبقى الأقل وهو قول مطرح ، لأن القرآن يدفعه . قال الله تعالى :
قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ ص: 250 ] [ الحجر : 39 ، 40 ] . فاستثنى المخلصين المؤمنين ، ونفى الكافرين ثم قال بعدها :
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [ الحجر : 42 ] . فاستثنى الغاوين من الكافرين ونفى المؤمنين ، ولا بد أن يكون أحدهما أكثر من الآخر على أن الكفار أكثر لقوله :
ولا تجد أكثرهم شاكرين [ الأعراف : 17 ] . فدل على جواز الاستثناء للأكثر وقال الشاعر :
أدوا التي نقصت تسعين عن مائة 206 ثم ابعثوا حكما بالحق قوالا
فاستثنى تسعين من مائة وهي الأكثر .