فصل : فإذا تقرر أن ميراثها على ما ذكرنا من الأقاويل الثلاثة ، فإنها ترثه إذا لم تختر طلاق نفسها فإن
اختارت طلاقها لم ترث . واختيارها للطلاق قد يكون من وجوه ، منها : أن تسأله الطلاق فيطلقها ، أو يعلقه بمشيئتها فتشاء طلاقها أو يعلقه بفعلها فيما لا تجد منه بدا ، كقوله : إن دخلت الدار أو كلمت زيدا أو لبست هذا القميص أو أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فتفعل ذلك ، فيدل على اختيارها للطلاق : لأنها تجد من ذلك بدا فلا تدخل الدار ، ولا تكلم زيدا ، ولا تلبس ذلك القميص ، ولا تأكل ذلك الرغيف .
فأما إن علقه بفعل ما لا تجد بدا منه كقوله : إن أكلت أو شربت أو نمت أو قعدت ، فإن فعلت ذلك عند الحاجة فهي غير مختارة لطلاقها ، فلها الميراث وإن فعلته قبل وقت الحاجة ففيه وجهان :
[ ص: 267 ] أحدهما : يجري عليها حكم الاختيار ، اعتبارا بوقت الفعل لأنها تجد من تقديمه قبل الحاجة بدا .
والثاني : يجري عليها حكم عدم الاختيار ، اعتبارا بوقت الفعل : لأنها تجد من تقديمه قبل الحاجة بدا بحال الفعل : لأنها لا تجد من فعله بدا ، وكذلك لو خالعته دل الخلع على اختيارها فمنعها طلاق الخلع من الميراث ، هذا مذهب
الشافعي وأبي حنيفة .
وقال
مالك : لها الميراث وإن اختارت الطلاق وسألته ، وقال
أبو علي بن أبي هريرة من أصحابنا تعلقا بأن
تماضر بنت الأصبغ الكلبية سألت
عبد الرحمن بن عوف الطلاق ، فورثها
عثمان رضي الله عنه ولأنه لما كان القتل مانعا من الميراث لم يقع الفرق فيه بين أن يكون عن سؤال وغير سؤال ، حتى لو قال له الموروث : اقتلني فقتله لم يرثه ، كذلك الطلاق في المرض لما كان موجبا للميراث لم يقع الفرق فيه بين أن يكون عن سؤال وغير سؤال ، وهذا فاسد : لأن استحقاق الإرث إنما يكون لأجل التهمة في الإرث فإذا اختارت وسألت زالت التهمة وسقط موجب الإرث ، ولأنها إذا سألت واختارت ، صارت الفرقة منسوبة إليها فجرى مجرى فسخها بالعيوب التي لا توجب ميراثها ولا ميراثه منها .
وأما
تماضر فكل ما أخذته وإن سألت الطلاق صلحا لا إرثا ، على أنه لم يطلقها حتى سألته لأنه أمسكها حتى حاضت ثم طهرت ثم طلقها .
وإذا تأخر طلاقه عن سؤالها لم يكن جوابا ، وصار طلاقا مبتدأ ، وقيل أنها سألته في حال الصحة فطلقها في المرض .
وأما الإرث في القتل فوجوده كعدمه في الحظر سواء فكان في حكم الميراث سواء وخالف سؤال الطلاق والله أعلم .