الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ومن لم يستطع إلا أن يومئ أومأ ، وجعل السجود أخفض من الركوع "

قال الماوردي : وهذا صحيح

إذا عجز المصلي عن القيام في صلاته صلى قاعدا ، وإن عجز عن القعود صلى موميا لقوله تعالى : الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم [ آل عمران : 191 ] ، قال أهل العلم : معناه الذين يصلون قياما مع القدرة عليه ، وقعودا مع العجز عن القيام ، وعلى جنوبهم مع العجز عن القعود

وروى عمران بن الحصين أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الناصور فقال : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب فإذا قدر المصلي على القيام صلى قائما ، وركع قائما ، فإن قدر على الانتصاب ولم يقدر على الركوع قرأ منتصبا ، فإذا أراد [ ص: 197 ] الركوع انحنى وبلغ بانحنائه إلى نهاية إمكانه فإن قدر على الركوع ، ولم يقدر على الانتصاب قام راكعا ، فإذا أراد الركوع خفض قليلا ، فإن عجز عن القيام صلى قاعدا

قال الشافعي : " وكل من لم يطق القيام إلا بمشقة غير محتملة صلى الفرض قاعدا يعني : بمشقة غليظة ، فإذا أراد الصلاة قاعدا ففي كيفية قعوده قولان :

أحدهما : متربعا ، وأصحهما مفترشا

قال الشافعي : لأن القعود متربعا يسقط الخشوع ، ويشبه قعود الجبابرة إلا أن يكون المصلي امرأة فالأولى أن تتربع في قعودها ، لأن ذلك أستر لها ، وقال بعض أصحابنا : يقعد في موضع القيام متربعا ، وفي موضع الجلوس الأول مفترشا ، وفي موضع الجلوس الأخير متوركا ، وهذا حسن وكيف ما قعد أجزأ ، فإذا أراد الركوع انحنى موميا بجسده ، فإذا أراد السجود ، وقدر على كماله أتى به ، وإن لم يقدر على كماله أتى بغاية إمكانه ، وإن سجد على فخذه جاز ولا يحملها بيده ، فقد روي عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، أنها كانت تسجد على مخدة من أدم لرمد كان بها

قال الشافعي : فإن قدر أن يسجد على وسادة لاصقة بالأرض كان عليه أن يفعل ذلك ، ولو أن صحيحا سجد على وسادة أو موضع مرتفع من الأرض كرهته ، وأجزأه إن كان ينسبه العامة إلى أنه في حد الساجد في انخفاضه ، فأما إن كانت الوسادة عالية لا تنسب العامة إلى أنه منخفض انخفاض الساجد لم يجز ، فإن لم يقدر إلا أن يومئ أومأ وجعل السجود أخفض من الركوع ، وجملته أنه لا يحتسب له بالركوع حتى يأتي بالقيام كما يطيق ، ولا يحتسب له بالسجود حتى يأتي بالركوع كما يطيق ، وكذا القول في السجود ، فأما إن لم يقدر على القعود فصلى مضطجعا يشير بما قدر عليه ، وفي كيفية اضطجاعه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : على جنبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة لقوله تعالى : وعلى جنوبهم [ آل عمران : 91 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يستطع فعلى جنب

والوجه الثاني : مستلقيا على قفاه ورجلاه مما يلي القبلة : لرواية جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا ، فإن لم يستطع فعلى قفاه ورجلاه مما يلي القبلة يومي بطرفه

التالي السابق


الخدمات العلمية