فصل : وإذا صح جواز عودها في المطالبة بعد العفو أجزأ مدة الوقف الماضي عن تجديد وقف مستأنف في المطالبة بخلاف سقوط المطالبة بالطلاق الذي يستأنف الوقف فيه بالعدة بعد الرجعة ، والفرق بينهما أنها قد استوفت حقها بالطلاق ، فاستؤنف له الوقف بعد الرجعة ولم تستوف حقها بالعفو فلم يستأنف له الوقف بعد المطالبة فلا وجه لمن جمع من أصحابنا بين العفو والطلاق في استئناف الوقف فيهما لما ذكرنا من الفرق بينهما والله أعلم .
مسألة قال
الشافعي رضي الله عنه : " وليس ذلك لسيد الأمة ولا لولي معتوهة " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، لأن
المطالبة في الإيلاء تختص بحقوق الاستمتاع وذلك مما تختص به الزوجة دون وليها وسيدها : لأنه موقوف على شهوتها والتزازها فإذا عفت عنه الزوجة صح عفوها وإن كانت أمة ، ولم يكن لسيدها المطالبة فإن قيل
[ ص: 380 ] فهلا استحق السيد المطالبة بالوطء لحقه في ملك الولد ، قيل : لأن الوطء المستحق في الإيلاء والعنة يكون بالتقاء الختانين دون الإنزال ، وذلك مما لا يحدث عنه إحبال ، فلم يتعلق للسيد به حق ، هكذا لو عفا السيد مع مطالبتها لم يؤثر عفو السيد في حقها من المطالبة ، وجرى ذلك مجرى الفسخ بالعيوب من الجنون والجذام والبرص تستحقه دون سيدها فإن عفت عنه لم يكن للسيد المطالبة به ، وإن طالبت به لم يكن للسيد العفو عنه ، فأما المعتوهة فلا يصح منها المطالبة بحقها في الإيلاء ، لأنه لا حكم لقولها بخلاف الأمة ، وليس لوليها المطالبة كما ليس لسيد الأمة ، فإن قيل فهلا كان لولي المعتوهة المطالبة بحقها من الإيلاء : لأن له استيفاء حقوقها كالديون ، وخالف السيد لأنه يستوفي بها حق نفسه لا حق أمته ، قيل يستويان في حكم الإيلاء وإن افترقا في المعنى ، لأن حق الإيلاء مقصور على اختيار الاستمتاع الموقوف على شهوتها ، وليس من حقوق الأموال التي يستوفيها الولي في حقها ، والسيد في حق نفسه .
مسألة قال
الشافعي رضي الله عنه : "
ومن حلف على أربعة أشهر فلا إيلاء عليه لأنها تنقضي وهو خارج من اليمين " .
قال
الماوردي : وهذا قد ذكرناه وإن المولي من استحقت مطالبته بعد أربعة أشهر ، فإذا حلف على أربعة أشهر لم تستحق عليه المطالبة ، لأنه يقدر على الإصابة من غير حنث والمولي من لم يقدر على الإصابة بعد الوقف إلا بالحنث فخرج من حكم الإيلاء ، وصار ملتزما لحكم اليمين في غير الإيلاء وإن وطئ وإن لم يطأ لم يحنث والله أعلم .
مسألة قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
حلف بطلاق امرأته لا يقرب امرأة له أخرى ثم بانت منه ثم نكحها فهو مول ( قال
المزني ) رحمه الله وقال في موضع آخر لو آلى منها ثم طلقها فانقضت عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا وسقط عنه حكم الإيلاء وإنما يسقط عنه حكم الإيلاء لأنها صارت في حال لو طلقها لم يقع طلاقه عليها ولو جاز أن تبين امرأة المولي حتى تصير أملك لنفسها منه ثم ينكحها فيعود حكم الإيلاء جاز هذا بعد ثلاث وزوج غيره لأن اليمين قائمة بعينها في امرأة بعينها يكفر إن أصابها كما كانت قائمة قبل التزويج وهكذا الظهار مثل الإيلاء " .
قال
الماوردي : وصورتها في
رجل له زوجتان حفصة وعمرة ، فقال يا حفصة إن وطئتك فعمرة طالق فهذا مول من حفصة ، وحالف بطلاق عمرة ، فإن أحدث طلاق أحدهما ، لم يخل من أن يطلق حفصة المولى منها أو يطلق عمرة المحلوف بطلاقها ،
[ ص: 381 ] فإن طلق حفصة المولى عليها ثم راجعها فالإيلاء منها بعد الرجعة باق وإن لم يراجعها حتى انقضت العدة انقطع الإيلاء منها ، فإن عاد فاستأنف نكحها بعقد جديد ، نظر فإن نكحها بعد زوج من طلاق ثلاث ، فعلى قوله في الجديد كله ، وأحد قوليه في القديم لا يعود الإيلاء ، وعلى القول الثاني في القديم يعود ، فإن كان الطلاق أقل من ثلاث ، فعلى قوله في القديم كله وأحد قولين في الجديد يعود الإيلاء ، وعلى القول الثاني في الجديد لا يعود ، وإن شئت قلت فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعود الإيلاء في الطلاقين .
والثاني : لا يعود في الطلاقين .
والثالث : يعود إن كان الطلاق دون الثلاث ، ولا يعود إن كان ثلاثا ، وهو قول
أبي حنيفة ، كما بينا عدد الطلاق في أحد النكاحين على الآخر إن كان دون الثلاث ولا شيء عليه إن كان ثلاثا . سواء قلنا إن الإيلاء يعود على هذه المطلقة أو لا يعود عليها فاليمين بطلاق عمرة باقية ، لا تنتقض ، لأن اليمين بطلاقها يجوز أن يعلق بوطء الأجنبية كما يجوز أن يعلق بوطء الزوجة ، ألا تراه لو
قال لزوجته : إن وطئت هذه الأجنبية فأنت طالق ، ثم نكح الأجنبية ووطئها طلقت زوجته المحلوف بطلاقها .