فصل : فأما
المزني فإنه قال لا يعود الطلاق والإيلاء والظهار في النكاح الثاني إذا كان معقودا في النكاح الأول احتجاجا بأمرين :
أحدهما : أنه حكم تعلق بعقد ، فإذا زال ذلك العقد زال حكمه ، وهذا فاسد بعدد الطلاق بزوال عقده ولا يزول حكمه ، ويكون في النكاح الثاني معتبرا بالنكاح الأول .
والاحتجاج الثاني : إن قال قد صارت في حال لو آلى منها أو طلقها لم يصح ، فكذلك لا يصح أن يستدام فيها حكم الإيلاء والطلاق ، وهذا فاسد بالجنون ، لأنه لا يصح أن يبتدئ فيه الإيلاء والطلاق ، ويصح أن يستدام فيه ما تقدم من الإيلاء والطلاق ، والله أعلم .
مسألة قال
الشافعي رضي الله عنه : " والإيلاء يمين لوقت فالحر والعبد فيها سواء ألا ترى أن أجل العبد وأجل الحر العنين سنة " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال :
مدة الوقف في الإيلاء مقدرة بأربعة أشهر مع الحر والعبد في الحرة والأمة ، وقال
مالك ، وأبو حنيفة : تنتصف المدة بالرق ، ثم اختلفا .
فقال
مالك : يعتبر بها الزوج دون الزوجة ، فوقف العبد شهرين وإن كانت زوجته حرة .
وقال
أبو حنيفة رحمه الله : يعتبر بها الزوجة دون الزوج فيوقف للأمة شهرين وإن كان زوجها حرا .
فأما
مالك فجعله معتبرا بالطلاق ، لأنهما يوجبان الفرقة ،
والعبد يملك طلقتين مع الحرة والأمة ، وأما
أبو حنيفة فجعله معتبرا بالعدة لأن بها تقع البينونة ، والأمة تعتد بقرأين مع العبد والحر .
والدليل عليهما : قول الله تعالى
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] ولم يفرق بين الحر والعبد مع الحرة والأمة فكان على عمومه ، ولأنها مدة ضربت في عقد لرفع الضرر الداخل في الاستمتاع فلم تختلف بالحرية والرق كالعنة : ولأنها يمين لوقت فوجب أن يستوي فيها الحر والعبد كسائر الأيمان
[ ص: 384 ] وهذه دلالة
الشافعي : ولأنه قصد تحريم الاستمتاع بلفظ كان طلاقا في الجاهلية ، فوجب أن يستوي فيه الحر والعبد كالظهار .
فأما اعتبار
مالك بالطلاق فلا يصح : لأن
الطلاق إزالة ملك والحر والعبد يختلفان في الملك فاختلفا في إزالته ، ومدة الإيلاء موضوعة لرفع الضرر لا لإزالة المالك ، والضرر يستوي فيه الحر والعبد فاستويا في مدة إزالته .
وأما اعتبار
أبي حنيفة بالعدة فلا يصح ، لأن في العدة استبراء وتعبدا ، فالاستبراء بقرء واحد تشترك فيه الحرة والأمة ، والقرءان الزائدان تعبد تختلف فيه الحرة والأمة كالحدود ، فاختصت الأمة بنصفه هو أحد القرأين فصارت عدتها تعبدا واستبراء قرأين ، ومدة الإيلاء موضوعة لما ذكرنا من رفع الضرر الذي يستوي فيه الحرية والرق ، والله أعلم .