مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
قال أنت طالق كظهر أمي، يريد الظهار فهي طالق لأنه صرح بالطلاق فلا معنى لقوله كظهر أمي إلا أنك حرام بالطلاق كظهر أمي " .
قال
الماوردي : محال، فلا معنى له . قد ذكرنا أن الظهار لا يكون كناية في الطلاق، والطلاق لا يكون كناية في الظهار ، وكل واحد منهما صريح في حكمه، فإذا كان هكذا وجمع بينهما في زوجة فهو على ضربين :
أحدهما : أن يقدم الطلاق على الظهار وهو مسألة الكتاب فيقول لها : أنت طالق كظهر أمي طلقت منه بقوله : أنت طالق وأما قوله : كظهر أمي فلا يخلو فيه من أربعة أقسام :
أحدها : أن ينوي به أنها تصير عليه بـ " الطلاق " محرمة كظهر أمه، فيصير ذلك تفسيرا لحكم الطلاق وتأكيدا لإثباته، ولا يكون مظاهرا ولا يصير به آثما لأنه قصد به تحريم محرمة ؛ كما لو
قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يكن آثما لقصده بتحريم محرمة .
فإن قيل : يقتضي على هذا التعليل إذا قال لزوجته وهي محرمة بحج أو عمرة أنت علي كظهر أمي أن لا يكون مظاهرا ولا آثما قيل : يكون في المحرمة مظاهرا ؛ لأن الإحرام لا يخرجها من الزوجية، والطلاق يخرجها من الزوجية، ولا يحرم بأن يستمتع بالنظر إلى المحرمة ويحرم بأن يستمتع بالنظر إلى المطلقة : فإن قال في المحرمة أنها علي كظهر أمي بالإحرام الطارئ لا بالتحريم المؤبد لم يقبل منه في ظاهر الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتماله .
والقسم الثاني : أن ينوي به أن يكون الطلاق الذي تقدمه ظهارا، فيكون مطلقا ولا يكون مظاهرا ؛ لأن صريح الطلاق لا يزول عن حكمه بالنية .
والقسم الثالث : أن ينوي به الظهار بانفراده بعد الطلاق المتقدم، فينظر ؛ فإن كان الطلاق بائنا إما لكونه ثالثا أو دونها بعوض أو في غير مدخول بها لم يقع الظهار منها كما لا يقع الطلاق عليها ، وإن كان رجعيا كان مظاهرا ولم يكن عائدا، فإن راجعها في العدة فهل يصير عائدا بنفس الرجعة أو بمضي زمانها بعد الرجعة على ما قدمناه من الوجهين . وإن لم يراجع حتى مضت العدة ثم استأنف العقد عليها ففي عود الظهار في
[ ص: 436 ] النكاح الثاني قولان على ما مضى . وإذا عاد في أحد القولين فبماذا يصير عائدا على ما قلناه من الوجهين .
والقسم الرابع : أن يقوله مرسلا لا ينوي به شيئا فلا يكون به مظاهرا فإن قوله كظهر أمي كلام مبتوت يخرج عن حكم الصريح حتى يستكمل بقول أنت علي، فيصير حينئذ صريحا، وإذا خرج بنقصانه عن حكم الصريح لم يتعلق به مع عدم النية حكم . والله أعلم .
فصل : والضرب الثاني : أن يقدم الظهار على الطلاق فيقول : أنت علي كظهر أمي طالق فيكون مظاهرا بقوله الأول : فأما قوله طالق فلا يخلو حاله فيه من أربعة أقسام :
أحدها : أن ينوي به أنها تصير بما تقدم من الظهار كالمطلقة، فلا تصير بالنية كالمطلقة ؛ لأن حكم الظهار مخالف لحكم الطلاق .
القسم الثاني : أن ينوي به أن يصير الظهار الذي تقدم طلاقا، فيصير ظهارا ولا يصير بالنية طلاقا ؛ لأن صريح الظهار لا يصير طلاقا .
والقسم الثالث : أن ينوي به إيقاع الطلاق بعد الظهار، فيكون مظاهرا ومطلقا، ويمنع وقوع الطلاق من أن يصير عائدا .
والقسم الرابع : أن يقوله مرسلا لا ينوي به شيئا ففي وقوع الطلاق به وجهان :
أحدهما : لا يقع لأمرين :
أحدهما : أنه مبتوت اللفظ فلم يقع به طلاق .
والثاني : لما روعيت نيته فيه صار كناية لا يتعلق بها مع عدم النية حكم .
والوجه الثاني : أن يقع به الطلاق لأنه من صريح ألفاظه وقد تقدم من المواجهة ما إذا تلفظ بعده بالطلاق صار مضمرا فيه فكأنه قال : أنت كظهر أمي وأنت طالق .
والفرق بين أن يؤخر الظهار فلا يكون مظاهرا مع عدم النية أن ما تركه بتأخير الظهار حرفان :
أحدهما : حرف للمواجهة، وهو قوله : أنت .
والثاني : حرف الالتزام وهو قوله علي، والذي تركه من الطلاق حرف المواجهة دون الالتزام لعدم ذكره في الطلاق المتقدم . والله أعلم .