مسألة : قال
الشافعي - رضي الله عنه - : " فإن
ماتت قبل أن تعفو عنه فطلبه وليها ، كان عليه أن يلتعن أو يحد للحرة البالغة ويعزر لغيرها " .
قال
الماوردي : أما حد القذف فهو من حقوق الآدميين الموروثة ، وقال
أبو حنيفة : هو من حقوق الله التي تسقط بالموت ولا تورث استدلالا بأمرين :
أحدهما : أنه حد لا يرجع إلى مالك فأشبه حد الزنا : ولأن حد الزنا والقذف متقابلان لتنافي اجتماعهما في القاذف والمقذوف ، ثم كان حد الزنا من حقوق الله تعالى التي لا تورث فكذلك حد القذف .
ودليلنا : هو أنه حق على البدن إذا ثبت باعترافه لم يسقط برجوعه فوجب أن
[ ص: 27 ] يكون من حقوق الآدميين الموروثة كالقصاص ؛ ولأنه حق لا يستوفيه الإمام إلا بالمطالبة فوجب أن يكون موروثا كالأموال ، ولأنه لو
قذفت أمة بعد موتها وجب له الحد على قاذفها ، وقذفها في الحياة أغلظ فكان بأن يستحق بعد الموت أجدر .
فأما الجواب عن استدلاله بأنه لا يرجع إلى مال ، فهو أن الحقوق تتنوع فتكون تارة في مال ، وتارة على بدن ، ولو اختص الآدميين بالمال دون البدن لاختص حق الله تعالى بالبدن دون المال ، وحقوق الله تعالى تجمع الأموال والأبدان ، فكذلك حقوق الآدميين ، وإن كان الكلام معه في أنه من حقوق الآدميين قد مضى .
وأما الجواب عن قوله : إنه في مقابلة الزنا لتنافي اجتماعهما ، فهو أن تنافي اجتماعهما يوجب تنافي حكمهما ولا يوجب تساويه ، وعلى أن
أبا حنيفة قد ناقض في الجمع بينهما حيث أسقط حد الزنا بموت الزاني ، وأسقط القذف بموت المقذوف ، وحقوق الله تعالى تسقط بموت من وجبت عليه ولا تسقط بموت غيره .