فصل : فإذا ثبت تغليظه بهذه الأربعة ، انتقل الكلام إلى شرح كل فصل منها ، أما تغليظه بتكرار العدد فسنذكر شرحه من بعد ، وأما
تغليظه بالمكان ففي أشرف مكان في البلد الذي يتلاعنان فيه ، فإن كان
بمكة فبين المقام والبيت ، ويسمى هذا الموضع الحطيم ، قيل : لأنه يحطم العصاة ، وإن كان
بالمدينة ففي مسجدها
قال
الشافعي : هاهنا على المنبر .
وقال في موضع آخر : عند المنبر فاختلف أصحابنا على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن الحاكم مخير بين أن يلاعن بينهما على المنبر أو عنده .
والثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة : أنه لا يلاعن بينهما على المنبر ؛ لأنه مقام علو وشرف ، واللعان نكال وخزي فاختلف مقامهما لتنافيهما ، وحمل قول
الشافعي على المنبر ، أي عنده ؛ ولأنها حروف صفات يخلف بعضها بعضا .
والثالث : وهو قول
أبي إسحاق المروزي أن ذلك على اختلاف حالين ، فيلاعن بينهما على المنبر إن كثر الناس ، وعند المنبر إن قلوا ، لأن المقصود مشاهدة الحاضرين لهما ، وسماع لعانهما ، وليس يمتنع وإن كان نكالا أن يكون في مقام شرف ، كما لا يمتنع أن يكون في البقاع الشريفة ليكون أبلغ في النكال .
وإن كان هذا اللعان في
بيت المقدس كان في مسجدها الأقصى ، وفي موضع الاختيار منه وجهان :
أحدهما : وهو قول
أبي القاسم الصيمري ،
وأبي الحسن بن القطان : عند الصخرة ؛ لأنها أشرف بقاعه
والوجه الثاني : وهو قول
أبي حامد الإسفراييني وطائفة : أنه يكون على المنبر أو عنده ؛ لأنه أخص بالشهرة ، وإن كان في غير ذلك من البلاد ففي جوامعها ، لأنها أشرف بقاع العبادات ، ويكون عند المنبر أو عليه على ما مضى ، وأما تغليظه بالزمان فمن صلاة العصر ، وإقامة جماعتها ، ولا يلتعنان بعد دخول وقتها وقبل إقامتها لقول الله تعالى : تحبسونهما من بعد الصلاة [ المائدة : 106 ] ولأن ما بعد الصلاة وقت للدعاء ، ولارتفاع الأعمال ، وأما تغليظه بالجماعة ، فقد ذكرنا أنهم أربعة ، فما زاد اعتبارا بعدد البينة في الزنا ، ويكونوا عدولا من أهل الشهادة ليجتمع الأشهاد بحضورهم ، والبينة الثانية عند الحاكم بشهادتهم .
[ ص: 47 ]