الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ( قال ) وإذا قال - صلى الله عليه وسلم - : الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا وأخرجهما من الحد " .

قال الماوردي : وهذا الحديث رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرق بين العجلاني وامرأته قال : " الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " قالها ثلاثا . ومراد الشافعي بذكره بيان ما دل عليه من ثلاثة أحكام :

أحدهما : أن الحكم يكون بالظاهر دون الباطن وإن علم أن الباطن مخالف للظاهر ؛ لأنه قد علم قطعا أن أحدهما كاذب وإن لم يعلم بعينه ، فلم يعتبر حال علمه ، وحكم بالظاهر من أحوالهما .

والحكم الثاني : أنه سوى في الحكم بينهما وإن علم كذب أحدهما وصدق الآخر ولم يجعل لاختلافهما في ذلك تأثيرا في اختلاف الحكم عليهما ؛ لأن اشتباه أحوالهما منع من تمييزهما فيه ، وصار حكم الصادق منهما والكاذب سواء في الظاهر وإن كان مختلفا عند الله تعالى في الباطن .

والحكم الثالث : ما أمرهما به رسول الله من التوبة فدل ذلك على أمرين :

أحدهما : تمحيص المآثم يكون بالتوبة لا بالحكم .

والثاني : قبول التوبة ممن علم أن باطنه مخالف لظاهره ، فكان فيه حجة على مالك في قبول توبة الزنديق ، وإن علم أن باطن معتقده مخالف لظاهر توبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية