فصل : فإن
أراد الحاكم أن يلاعن بين الأعجميين بالأعجمية لم يخل أن يكون عارفا بلسانهما أو غير عارف ، فإن كان عارفا بلسانهما لم يحتج إلى ترجمان وجعل الحاضرين للعانهما من يعرفون الأعجمية ، أو يكون فيهم ممن يعرفها العدد المأمور به وهم أربعة ، وإن كان الحاكم لا يعرف لسانهما احتاج إلى ترجمان ، واختلف في الترجمة هل تكون خبرا أو شهادة ؟ .
فجعلهما
أبو حنيفة خبرا واعتمد فيها على ترجمة الواحد كالأخبار ، وهي عند
الشافعي شهادة ، لأن الحاكم يحكم بها على غير المترجم فيما لم يعلمه إلا من المترجم فصارت عنده شهادة بإقرار ، فاقتضى أن يجري عليها حكم الشهادات ، وسنستوفي الكلام في موضعه من كتاب " الشهادات " .
فصل : فإذا ثبت أن الترجمة شهادة فهي في هذا الموضع في لعان قد يجري عليه بعض أحكام الزنا ، والشهادة في الزنا معتبرة بما تضمنها ، فإن كانت على فعل الزنا لم تثبت بأقل من أربعة ، وإن كانت على الإقرار بالزنا فعلى قولين :
[ ص: 72 ] أحدهما : أن الشهادة لا تكون بأقل من أربعة ؛ لأنها توجب حد الزنا كما توجبه الشهادة على فعل الزنا .
والقول الثاني : أنها تثبت بشاهدين ، لأن الشهادة على فعل الزنا أغلظ من الشهادة على الإقرار بالزنا ، لأن الشهادة على فعله إذا لم تكمل أوجبت حد القذف وعلى الإقرار به لا توجبه ، وإذا كان كذلك فالترجمة لا يعتبر فيها عدد الشهود على فعل الزنا ، وهل يعتبر فيها عدد الشهود على الإقرار به أم لا ؟ على وجهين لأصحابنا : أحدهما : يعتبر فيهم عدد الإقرار به ؛ لأنه ربما تضمن اللعان إقرارا به ، فعلى هذا
يكون في أحد القولين أربعة وفي الثاني شاهدين .
والوجه الثاني : وهو أصحهما أنه يعتبر فيهم عدد الإقرار بغير الزنا في جواز الاقتصار على شاهدين ؛ لأنه ليس في المتلاعنين أقر بالزنا ، فإن أقر به أحدهما اعتبر حينئذ في إقراره شهادة المقر ، فعلى هذا يحمل قول
الشافعي أربعة على الاختيار دون الوجوب ، أو على الجماعة الحضور دون المترجمين .