فصل : وأما القسم الرابع : وهو أن
لا يقذف واحدا منهما بالزنا ، فصورته أن يقول : وجدك على فراشه فظنك زوجته وظننتيه زوجك . فلا يكون قاذفا لواحد منهما ؛ لأنه ليس فيهما زان ، فلا يجب بهذا الرمي حد ، ويكون مقصورا على نفي النسب ، فإن كان حملا فلا لعان به ، ولا تنازع فيه لجواز أن يكون غلظا أو ريحا ، فإذا وضعت روعي حال المرمي بوطئها ، فإن كان مسمى معترفا بوطئها فلا لعان ، وإن ألحقوه بالزوج اضطر إلى نفيه باللعان ، وهكذا لو كان المرمي بها منكرا لوطئها أو كان مجهولا غير مسمى اضطر إلى نفيه باللعان في هذه الأحوال الثلاث ، وفي جواز لعانه منه بغير قذف قولان :
أحدهما : وهو الأصح ، وبه قال
أبو إسحاق المروزي : إنه يصح لعانه منه بغير قذف لأمرين :
أحدهما : أن هذا الوطء مفسد لفراشه كالزنا فاستويا في نفي نسبه باللعان .
والثاني : أنه قد اعترف بأنهما لم يزنيا فلم يجز أن يكذب عليهما في رميهما بالزنا ، فعلى هذا يقول في لعانه : أشهد بالله ، إنني لمن الصادقين فيما رميتها به من إصابة غيري لها على فراشي وأن هذا الولد من تلك الإصابة ما هو مني .
فإذا أكمل لعانه انتفى عنه النسب ولم تلاعن المرأة بعده ؛ لأن هذا اللعان لا يوجب عليها الحد ؛ لأنه قد أثبت وطء شبهة ولم يثبت الزنا ، ووطء الشبهة لا يوجب الحد ، فلذلك لم تلتعن ؛ لأن لعانها مقصور على إسقاط الحد .
والقول الثاني : وبه قال
المزني وهو مخرج من كلام
للشافعي أنه لا يجوز أن
[ ص: 89 ] يلاعن منه حتى يتضمن قذفا يوجب الحد ، لأن اللعان مقام خزي فلم يجز إلا أن يكون إلا في مثله ، ولأن فحوى الكتاب ونص السنة جاءت بمثله ، فعلى هذا في كيفية قذفه وجهان :
أحدهما : بصريح الزنا ولو كان فيه إكذاب لنفسه ، حكاه
أبو حامد الإسفراييني .
والوجه الثاني : بمعاريض الزنا ، كقوله : فجرت بوطء غيري ، أو وطئت وطأ حراما ، لئلا يصرح بتكذيب نفسه ، وهذا أشبه ، فإن وقع الاقتصار منه على معاريض القذف ، بنى لفظ لعانه عليه فقال : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من وطء الفجور أو الوطء الحرام ، وأن هذا الولد ما هو مني ، ولا يلزمها أن تلاعن بعده سواء أضاف الفجور إليها أو إلى الواطئ ؛ لأنه كناية ، وإن لم يقتنع منه إلا بالقذف الصريح ، فإن قذفهما لاعن ، ولاعنت بعده ، وإن قذفه دونها لاعن ولم تلاعن بعده ، وإن قذفها دونه لاعن ولاعنت بعده ، لأن لعانه من قذفها موجب للحد عليها . فلم يسقط عنها إلا بلعانها ولعانه ، وقذف الواطئ وحده غير موجب لحدها فلم يحتج إلى لعانها ، والله أعلم .