مسألة : قال
الشافعي : " وقال أيضا - يعني
أبا حنيفة - : لو نفاه بلعان ومات الولد فادعاه الأب ضرب الحد ولم يثبت النسب ، فإن كان الابن المنفي ترك ولدا حد أبوه وثبت نسبه منه وورثه ( قال
الشافعي ) - رحمه الله - : ولا فرق بينه ترك ولدا أو لم يتركه ؛ لأن هذا الولد المنفي إذا مات منفي النسب ثم أقر به لم يعد إلى النسب ؛ لأنه فارق الحياة بحال فلا ينتقل عنها ، وكذلك ابن النفي في معنى المنفي ، وهو لا يكون ابنا بنفسه ، فكيف يكون ابنه بالولد المنفي الذي قد انقطع نسب الحي منه ، والذي ينقطع به نسب الحي ينقطع به نسب الميت ؛ لأن حكمهما واحد ( قال
الشافعي ) - رحمه الله - : ولو قتل وقسمت ديته ثم أقر به لحقه وأخذ حصته من ديته ومن ماله ؛ لأن أصل أمره أن نسبه ثابت ، وإنما هو منفي ما كان أبوه ملاعنا مقيما على نفيه " .
قال
الماوردي : وصورتها فيمن
نفى ولده باللعان ثم مات الولد فاعترف به واستلحقه بعد موته ، فقد اختلف الفقهاء - هل يلحق به أم لا ؟ على ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب
الشافعي - أنه يلحق به إذا استلحقه بعد موته سواء ترك ولدا أو لم يترك ، غنيا مات أو فقيرا .
وقال
أبو حنيفة : إن ترك المنفي ولدا ألحق به ، وإن لم يترك ولدا لم يلحق به .
وقال
مالك : إن مات غنيا ذا مال لحق به ، وإن مات فقيرا لم يلحق به ، واستدل
أبو حنيفة بأنه لا يلحقه إذا لم يترك ولدا بثلاثة أمور :
أحدها : بأنه قد انقطعت بالموت أسبابه فصار قطعا لاستلحاقه ، وهو باقي الأسباب بالولد فبقي حكم استلحاقه .
والثاني : أنه بعدم الولد متهم بالاستلحاق في إجازة الميراث فرد إقراره بالتهمة ومع وجود الولد غير [ متهم ] فلزم إقراره .
والثالث : أنه في استلحاق النسب حقان : أحدهما له والآخر عليه ، فاقتضى أن يتصل بحي يثبت له من حق الاستلحاق مثل ما يثبت عليه .
واستدل
مالك بأن موت الغني باقي العلق ، فكان لاستلحاقه تأثير فثبت ، وموت الفقير منقطع العلق ، فلم يبق لاستلحاقه تأثير فلم يثبت .
[ ص: 98 ] ودليلنا : أنه مأمور باستلحاق نسبه في حق الله تعالى وحق الولد ، فاقتضى أن يكون مقبول الاعتراف في الحياة وبعد الموت ، لأن لا يكون على الجحود مصرا وللوعيد مستحقا ، وقد يتحرر من معنى هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنه استلحاق يثبت به نسب الحي ، فوجب أن يثبت به نسب الميت ؛ كالذي ترك ولدا مع أبي حنيفة وكالغني مع مالك .
والثاني : أنه استلحاق يثبت به نسب ذي الولد فوجب أن يثبت نسب الأب من نسب غير ذي الولد الحي ، ولأن نسب الولد مأخوذ من نسب الأب فلا يؤخذ من نسب الولد ، لأن الفروع ترد إلى أصولها ، ولا ترد الأصول إلى فروعها ،
وأبو حنيفة عكس فيهما أصول الشرع فجعل نسب الأب مأخوذا من نسب الولد ، ولم يجعل نسب الولد مأخوذا من نسب الأب ، وما انعكست به أصول الشرع كان مدفوعا ، وبمثله يندفع قول
مالك في اعتبار المال ، ولأن المنع من استلحاقه بعد الموت لا يخلو أن يكون لأجل الموت ، أو لأجل التهمة ، فبطل أن يكون لأجل الموت لجواز استلحاقه مع الولد والموت موجود ، وبطل أن يكون لأجل التهمة في الميراث ؛ لأنه لو مات فقيرا لم يلحق به وإن كان غير متهوم وترك ولدا لا يرث لرق أو كفر ألحقوه به وإن كان متهوما ، وإذا بطل تعليق المنع بواحد من هذين ثبت تساوي حكمه في الحياة وبعد الموت . فأما الجواب عن استدلالهم بقطع الأسباب مع عدم الولد وبقائها مع وجوده فمن وجهين :
أحدهما : أن الأسباب باقية مع عدم الولد كبقائها مع وجوده ؛ لأنه قد تعلق بالأسباب من الحقوق لها وعليها من تحريم المصاهرة وغيره ما لا ينقطع بالموت .
والثاني : أنه وإن انقطع بها الحقوق المستقبلة لم تقطع بها الحقوق الماضية ، وإن انقطع بها حق الآدمي لم ينقطع بها حق الله تعالى .
وأما استدلالهم بالتهمة فقد أبطلنا أن تكون عليه ، وأما الاستدلال بأن وجود الولد يجمع حقي النسب ويعدمان بفقده ، فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنه قد يتعلق بالنسب أحكام سوى أحكام الولد فلم تسقط بعدم الولد .
والثاني : أن حكم النسب مع وجود الولد أغلظ ومع عدمه أخف . فلما ثبت النسب في أغلظ حاليه كان ثبوته في أخفهما أولى .