مسألة : قال
الشافعي : " ولو قال : أنت أزنى من فلانة أو أزنى الناس لم يكن هذا قذفا إلا أن يريد به قذفا " .
قال
الماوردي : وهاتان مسألتان :
إحداهما : أن يقول :
أنت أزنى من فلانة . قال
الشافعي : لم يكن قذفا إلا أن يريد به قذفا فجعله من ألفاظ الكنايات في زوجته وفي فلانة المشبه بها ، وتابعه أصحابنا على هذا الجواب .
وقالوا : يسأل الزوج وينوي ، فإن قال : أردت أنك أزنى من فلانة الزانية كان قاذفا لها ولفلانة وعليه لهما حدان ، ولإن قال : أردت أنك أزنى من فلانة ، وليست فلانة زانية ، لم يكن قذفا لهما جميعا ؛ لأن التشبه يقتضي تساويهما في الصفة وقد نفى الزنا عن فلانة فصار منفيا عن الزوجة ، وإن لم يكن له إرادة لم يكن قذفا ؛ لأن لفظ الكناية المنوي فيه يسقط حكمه مع عدم النية ، فهذا ما قاله
الشافعي وتابعه أصحابنا على شرحه ، والصحيح عندي أنه يكون قذفا صريحا في زوجته ، وكناية في قذف فلانة ، أما كونه قذفا صريحا لزوجته فلأنه قد صرح فيها بلفظ الزنا وأدخل ألف المبالغة زيادة في تأكيد القذف كما دخلت ألف المبالغة في أكثر مبالغة في التعظيم ، فكانت إن لم تزده في هذا القذف شرا لم تفده خيرا .
[ ص: 103 ] وقد قال الشاعر :
هو أزناهما بظنون أفالي س ممن يقاد بالتقليد
فرأى الناس ذلك قذفا للأم ، ولهذا الشعر حديث في هجاء بعض الأمراء قتل به الشاعر ، فوضح بما ذكرته أنه صريح في قذف زوجته يحد فيه ولا ينوي ، وأما فلانة التي جعل زوجته أزنى منها ، فيحتمل من لفظه فيها أحد أمرين ، إما الاشتراك وإما السلب ، فالاشتراك كقولهم : زيد أعلم من عمرو فيكون شريكا بينهما في العلم وتفضيلا لزيد على عمرو فيه ، وأما السلب فكقول الله تعالى :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [ الفرقان : 24 ] . فكان ذلك سلبا للخير عن أهل النار ؛ لأنه لا خير لهم فيها ، وإذا احتمل لفظه في فلانة الاشتراك والسلب صار كناية يرجع فيه إلى إرادته ، فإن أراد الجمع والتشريك كان قذفا ، وإن أراد به السلب والنفي لم يكن قذفا ، وكذلك لو لم تكن له إرادة .