فصل : أما المسألة الثانية : فهو أن
يقول لها : أنت أزنى الناس ، قال
الشافعي : في الجمع بينهما لم يكن قذفا إلا أن يريد به قذفا ، فجعله كناية في القذف [ فعلل ] أصحابنا هذا الجواب حين تابعوه عليه ، بأنه شبهها بجميع الناس في المبالغة ، ونعلم يقينا أن جميع الناس ليسوا زناة ، فيعلم كذبه يقينا فلم يكن قذفا صريحا ، والصحيح عندي أنه يكون قذفا صريحا لأمرين :
أحدهما : أن لفظ المبالغة في الصفة إذا أضيفت إلى الجماعة فيهم مشارك وفيها مخالف حملت على المشارك في إثبات الصفة ، ولم تحمل على المخالف في نفيها ، كما لو قال : زيد أعلم أهل
البصرة ، - ومعلوم أن
بالبصرة علماء وغير علماء - كان محمولا على إثبات علمه في التشريك بينه وبين جهالها ، وكذلك قوله : أنت أزنى الناس - ومعلوم أن في الناس زناة وغير زناة ، فوجب أن يكون محمولا على مبالغة إضافته إلى الزناة ، وليس في القذف أبلغ من هذا ؛ لأنه جعلها أزنى من كل زان .
والثاني : أننا لو أخرجنا هذا اللفظ من صريح القذف للتعليل الذي ذكروه من تيقن كذبه لخرج بهذا التعليل من كناية القذف ، ولا يصير قاذفا وإن أراده ، لأن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، فأما ما قطع فيه بالصدق أو قطع فيه بالكذب فليس بقذف ، ألا تراه لو قال لبنت شهر : زنيت ، لم يكن قذفا لاستحالته ، ولو قذف من ثبت زناها لم يكن قذفا لاستحالته .
فإن قيل : فقد حكي عن
المزني أنه لم يجعله قذفا وإن أراده . فأخرجه عن صريح القذف وكنايته تصحيحا لهذا التعليل .
[ ص: 104 ] قيل : قد خالفتم
المزني في هذا الجواب ؛ لأنكم جعلتموه كناية في القذف فبطل بخلافكم له صحة هذا التعليل ، على أنني لم أر
للمزني في مختصره ولا في جامعه ما حكيتموه عنه من هذا الجواب ، وما حكي عنه في غيرها مدخول عليه ، والله أعلم .