الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قذفها وقال : كانت أمة أو مشركة [ ص: 141 ] فعليها البينة أنها يوم قذفها حرة مسلمة ؛ لأنها مدعية الحد وعليه اليمين ويعزر إلا أن يلتعن " . قال الماوردي : جملته أنهما إذا اختلفا بعد القذف ، فقال : قذفتك وأنت أمة أو مشركة ، وقالت : بل كنت حرة أو مسلمة ، فلا يخلو حالها مع الاحتمال من ثلاثة أقسام : أحدها : أن يعلم أنها كانت أمة أو مشركة من قبل ، ويجهل أمرها في الحال . والثاني : أن يعلم أنها حرة في الحال أو مسلمة ، ويجهل أمرها من قبل . والثالث : أن يجهل أمرها من قبل وفي الحال ، فلا يعلم لها حرية ولا رقا ولا إسلاما ولا شركا . وأما القسم الأول : وهو أن يعلم أنها كانت أمة أو مشركة من قبل ويجهل أمرها في الحال ، فالقول قول القاذف مع يمينه أنها أمة أو مشركة ، وعليه التعزير ، إلا أن يقيم البينة أنه قذفها وهي حرة أو مسلمة فيحد . لأن الأصل بقاء ما كانت عليه من رق أو شرك . وأما القسم الثاني : وهو أن يعلم أنها في الحال حرة أو مسلمة ، ويجهل أمرها من قبل ، فالقول قولها مع يمينها أنها لم تزل حرة مسلمة من قبل ، ويحد إلا أن يقيم البينة أنها كانت أمة أو مشركة من قبل فيعزر ؛ لأن الظاهر تقدم ما هي عليه الآن من حرية أو إسلام . وأما القسم الثالث : وهو أن يجهل أمرها في الحال ومن قبل ، فلا يعرف لها حرية ولا رقا ولا إسلاما ولا شركا ، فالذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه عند اختلافهما في القذف أن القول قول القاذف دون المقذوف ، والذي نص عليه عند اختلافهما في القتل أن القول قول أولياء المقتول دون القاتل فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين : أحدهما : أن نقلوا كل واحد من الجوابين إلى الآخر وخرجوا القذف والقتل على قولين : أحدهما : أن القول قول القاتل والقاذف مع يمينه ؛ لأن دار الإسلام تجمعهم ، والأصل براءة الذمة . والقول الثاني : أن القول قول المقذوف وولي المقتول مع يمينه ؛ لأن الظاهر من دار الإسلام إسلام أهلها وحريتهم فأجري حكم ذلك على من فيها ، كما يجري على اللقيط حكم الحرية والإسلام ، وهذا حد وجهي أصحابنا . والوجه الثاني : أن حملوا كل واحد من الجوابين على ظاهره فجعلوا في القذف [ ص: 142 ] القول قول القاذف دون المقذوف ، وجعلوا في القتل القول قول أولياء المقتول دون القاتل وفرقوا بينهما بفرقين : أحدهما : أن القول في القتل موضوع لمعنى المماثلة وذلك غير موجود في الانتقال عنه إلى التعزير . والفرق الثاني : أن القتل إذا انتقل عنه إلى الدية انتقل من مشكوك فيه إلى مشكوك فيه ، فلم يكن لنقله تأثير ، والقذف إذا انتقل عن الحد فيه إلى التعزير انتقل من مشكوك فيه إلى يقين ، فكان لانتقاله تأثير ، وكلا الفرقين معلول .

التالي السابق


الخدمات العلمية