مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
أقامت البينة أنه قذفها كبيرة وأقام البينة أنه قذفها صغيرة فهذان قذفان مفترقان ، ولو اجتمع شهودهما على وقت واحد فهي متصادمة ولا حد ولا لعان " . قال
الماوردي : وإذا اختلف في القذف فادعت الزوجة أنه قذفها كبيرة ، وأقر الزوج أنها كانت وقت قذفه لها صغيرة ، فإن لم تكن لها بينة فالقول قوله مع يمينه أنها كانت حين قذفها صغيرة ولا حد عليه ؛ لأن الصغر يقين ، وجنب المؤمن حمى ، وعليه التعزير ؛ لأن قذف الصغيرة يوجبه ، فإن لم تكن في الصغر زوجته ، فليس له أن يلتعن من تعزير وجب في غير الزوجية ، كما لم يلتعن من حد وجب في غيرها ، وإن كانت في الصغر زوجته نظر ، فإن نسب ذلك إلى حال يجامع مثلها فهو تعزير قذف يجوز أن يلاعن منه . وإن قامت البينة على ما ادعت من قذفه لها في الكبر حكم بها ووجب عليه الحد وله أن يلتعن منه ، وإن عارض بينتها ببينة شهدت له أنه قذفها في الصغر فللبينتين حالتان : اتفاق ومضادة . فأما الحالة الأولى : وهي الاتفاق الممكن فقد تكون على أحد الوجهين : إما أن تطلق البينتان الشهادة من غير تاريخ ، وإما أن تؤرخا تاريخين مختلفين ، فيعمل بشهادتهما ، ويصير قاذفا لها قذفين : أحدهما : في الصغر ببينته .
[ ص: 144 ] والثاني : في الكبر ببينتها ، فوجب عليه بقذف الصغر التعزير ، وبقذف الكبر الحد . وله حالتان : أحدهما : أن يلتعن فيسقط بلعانه الحد ، والتعزير إن كان تعزير قذف ، ولا يسقط بلعانه إن كان تعزير أذى ويستوفى منه بعد اللعان . والحالة الثانية : أن لا يلتعن فيقام حد القذف في الكبر ، وأما التعزير للقذف في الصغر ، فإن كان تعزير أذى لكونها في صغر لا يجامع مثلها فيه لم يدخل هذا التعزير في حد القذف لاختلاف مستحقها ؛ لأن التعزير من حقوق الله عز وجل والحد من حقوق الآدميين ، وإن كان تعزير قذف لكونها في صغر يجامع مثلها فيه فهما جميعا من حقوق الآدميين ، وفي دخول التعزير في الحد وجهان : أحدهما : يدخل فيه ؛ لأنه من جنسه ومستحقه كدخول الحدث في الجنابة ويقتصر فيه على الحد وحده . والوجه الثاني : لا يدخل فيه ، لأن حقوق الآدميين لا تتداخل ، فيقام عليه التعزير ثم الحد . فصل : فأما الحالة الثانية : وهي مضادة الشهادتين ، فهو أن يختلفا في التاريخ ويختلفا في السن ، فتشهد بينتها أنه قذفها مستهل المحرم وهي كبيرة وتشهد ، بينته أنه قذفها مستهل المحرم وهي صغيرة فيستحيل أن تكون صغيرة كبيرة في وقت واحد ، فصار في الشهادتين تكاذب تعارضتا فيه ، وفي
تعارض الشهادتين قولان : أحدهما : يسقطان ، فعلى هذا يصير القول فيه قول الزوج مع يمينه أنه قذفها في الصغر ، وله أن يلتعن منها إن كان تعزير قذف ، ولا يلتعن إن كان تعزير أذى ، وله أراد
الشافعي بقوله : لا حد ، ولا لعان . والقول الثاني : في تعارض الشهادتين أنهما تستعملان ، وفي استعمالهما ثلاثة أقوال : أحدها : يوقفان حتى يقع البيان ، والوقف هاهنا لا وجه له لفوات البيان . والقول الثاني : يعمل بهما في قسمة الدعوى ، والقسمة هاهنا لا تعم ، لأن القذف لا يتبعض . والقول الثالث : يقرع بينهما ، والقرعة مرجحة هاهنا ، فأي البينتين قرعت حكم بها ، وهل يحلف من قرعت بينته أم لا ؟ فيه قولان مبنيان على اختلاف قوليه في القرعة ، هل دخلت مرجحة للدعوى أو البينة ؛ فإن قيل : إنها مرجحة للدعوى حلف صاحبها ، وإن قيل : إنها مرجحة للبينة لم يحلف والله تعالى أعلم .