مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وأي مدة ؟ قلت له : نفيه فيها فأشهد على نفيه وهو مشغول بما يخاف فوته أو بمرض لم ينقطع نفيه " . قال
الماوردي : وهذا صحيح :
إذا قيل : إن نفيه على الفور ، أو قيل : إنه مؤجل في نفيه ثلاثا فمضت صار الخيار عند انقضائها على الفور ، والحكم في الحالين حينئذ واحد ، وإذا كان كذلك فالفور في نفيه معتبر بثلاثة شروط . الشرط الأول : العلم بولادته ، فإن لم يعلم به حتى تطاول به الزمان كان على نفيه ، فإن نوزع في العلم ، لم يخل من أن يكون غائبا أو حاضرا ، فإن كان غائبا قبل قوله : إنه لم يعلم ، وإن كان حاضرا لم يخل إما أن يكون معها في دار واحد أو في دارين ، فإن كانا في دار صغيرة لا يخفى ولادتها على من فيها لم يقبل قوله : إنه لم يعلم ، وإن كان في دار تلتها نظر ، فإن شاع خبر ولادتها في الجيران لم يقبل قوله : إنه لم يعلم لاستحالته ، وإن لم يشع الخبر في جيرانه قبل قوله في عدم العلم لإمكانه . والشرط الثاني : أن لا يكون له عذر قاطع عن نفيه ، والأعذار القاطعة : أن يكون محبوسا ، أو مريضا ، أو مقيما على مريض لا يقدر على تركه ، أو مقيما على حفظ مال يخاف من تلفه ، أو مستترا من ذي سطوة يخاف ظلمه أو طالبا لضالة يخاف موتها أو مقيما على إطفاء حريق ، أو استنقاذ غريق ، إلى غير ذلك من الأعذار التي يجوز معها ترك الجمعة . فلا يلزمه الحضور معها ، ثم ينظر فإن قدر معها على مراسلة الحاكم بحاله فعل ، وإن قدر على الإشهاد على نفسه فعل ، وإن قدر عليهما أو على أحدهما فلم يفعل ما قدر عليه منهما لزمه الولد ، وإن لم يقدر على واحد منهما لم يلزمه ، وكان له نفيه . والشرط الثالث : الإمكان من غير إرهاق يخرج عن العرف ، فإن كان ليلا فحتى يصبح . وإن كان في وقت صلاة فحتى يصلي ، وإن حضر طعام فحتى يأكل ، وإن كان يلبس ثيابا بذلة لا يلقى الحاكم بها فحتى يلبس ثياب مثله ، وإن كان ممن يركب فحتى يسرج مركوبه ، وإن كان له مال بارز فحتى يحرز ماله ، فهذا كله وما شاكله معتبر في
[ ص: 151 ] مكنته ، ولا يمتنع من نفيه ، فإذا تكاملت هذه الشروط فقد تعين الفور ولزم تعجيل النفي ، فإن لم يبادر إليه لزمه الولد ، ولم يكن له نفيه . والله أعلم .