مسألة : قال
الشافعي : " ولو تباعد حيضها فهي من أهل الحيض حتى تبلغ السن التي من بلغها لم تحض بعدها من المؤيسات اللاتي جعل الله عدتهن ثلاثة أشهر فاستقبلت ثلاثة أشهر . وقد روي عن
ابن مسعود وغيره مثل هذا وهو يشبه ظاهر القرآن ، وقال
عثمان لعلي وزيد في امرأة
حبان بن منقذ : طلقها وهو صحيح وهي ترضع فأقامت تسعة عشر شهرا لا تحيض ثم مرض : ما تريان ؟ قالا : نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت ؛ فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغن المحيض ، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل وكثير ، فرجع
حبان إلى أهله فأخذ ابنته ، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضتين ثم توفي
حبان قبل الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها وورثته . وقال
عطاء كما قال الله تعالى
إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر قال
الشافعي رحمه الله : في قول
عمر رضي الله عنه في التي رفعتها حيضتها تنتظر تسعة أشهر ، فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة أشهر ثم حلت ، يحتمل قوله قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن ، فلا يكون مخالفا لقول
ابن مسعود رضي الله عنه ، وذلك وجه عندنا " .
قال
الماوردي : اعلم أن
للمعتدة إذا تأخر حيضها قبل وقت الإياس حالتين : إحداهما : أن يكون بسبب معروف من مرض أو رضاع فتكون باقية في عدتها وإن تطاولت مدتها حتى يعاودها الحيض فتعتد بثلاثة أقراء ، روي أن
حبان بن منقذ طلق امرأته وهي ترضع فأقامت تسعة عشر شهرا لا تحيض ثم مرض
حبان فقال
عثمان لعلي وزيد - رضي الله تعالى عنهم - : ما تريان في
امرأة حبان ؟ فقالا : نرى أنها ترثه ويرثها إن
[ ص: 188 ] ماتت ، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ، وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغن المحيض ، ثم هي على حيضها ما كان من قليل وكثير ، فرجع
حبان إلى أهله وأخذ بنته ، فلما فصلت الرضاع حاضت حيضتين ، ثم توفي
حبان قبل الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته . والحالة الثانية : أن يكون تأخر حيضها بغير سبب يعرف ، ففيما تعتد به ثلاثة أقاويل : أحدها : وهو قول
عمر - رضي الله تعالى عنه - ومذهب
مالك - رحمه الله - أنها تمكث تسعة أشهر تتربص بنفسها مدة غالب الحمل ، فإذا انقضت تسعة أشهر وهي غير مستريبة اعتدت ثلاثة أشهر عدة الطلاق وإن لم يحكم بإياسها ؛ لأن العدة موضوعة لاستبراء الرحم بالظاهر دون الإحاطة ، وذلك موجود بمضي عدة المدة ، وفي الزيادة عليها إدخال ضرر عليها فلم يكلف ما يضرها ، فعلى هذا لو تأخرت حيضتها بعد أن يمضي لها قرء من الأقراء الثلاثة لم تعتد به من شهرها ؛ لأنه لا تبنى أحد العدتين على الأخرى واستأنفت بعد الحكم بتأخر حيضتها سنة ، منها تسعة أشهر ليست بعدة ، وإنما هي للاستظهار بها في استبراء الرحم ، وثلاثة أشهر بعدها هي العدة .
والقول الثاني : أنها تمكث متربصة بنفسها مدة أكثر الحمل وهي أربع سنين ؛ لأنه أحوط لها وللزوج في استبراء رحمها ، فإذا انقضت أربع سنين استأنفت العدة ثلاثة أشهر ، فإن حاضت قبل استكمال ثلاثة أشهر عاودت الأقراء وسقط حكم ما مضى ، وإن تأخر بعد الحيضة استأنفت تربص أربع سنين ثم اعتدت ثلاثة أشهر ، وكذلك حكمها إن عاودها من بعد . فأما إن حاضت بعد انقضاء الشهور الثلاثة روعي حالها ، فإن كان ذلك بعد أن تزوجت فقد انتهت عدة الأول وهي على نكاح الثاني ، وإن حاضت قبل أن تزوجت ، ففيه وجهان : أحدهما : تعاود الاعتداد بالأقراء لما يحذر من مخالفة الظاهر كما لو عاودها الحيض قبل انقضاء ثلاثة أشهر . والوجه الثاني : أن عدتها قد انقضت للحكم بانقضائها كما لو تزوجت ، وهذان القولان ذكرهما
الشافعي في القديم . والقول الثالث : نص عليه في الجديد ، وهو الأصح . وبه قال
أبو حنيفة : إنها تمكث متربصة بنفسها مدة الإياس ، لأن موضوع العدد على الاحتياط في استبراء الأرحام وحفظ الأنساب ، فوجب الاستظهار لها لا عليها ،
[ ص: 189 ] وليس لتطاولها بالبلوى من وجه في تغيير الحكم كامرأة المفقود ، فعلى هذا فيما يعتبر من مدة إياسها ؟ قولان : أحدهما : يعتبر نساء عشيرتها في زمان إياسهن ، فإذا انتهت إلى ذلك السن حكم بإياسها ، فقد قيل : إنه لم تحض امرأة لخمسين سنة إلا أن تكون عربية ، ولم تحض لستين سنة إلا أن تكون قرشية ، وهو قول لم يتحقق ، وحضرتني وأنا بجامع
البصرة امرأة ذات خفر وخشوع ، فقالت : قد عاودني الدم بعد الإياس ، فهل يكون حيضا ؟ فقلت : كيف عاودك ؟ قالت : أراه كل شهر كما يعتادني في زمان الشباب ، فقلت : ومذ كم رأيتيه ؟ فقالت : مذ نحو من سنة قلت : كم سنك ؟ قالت : سبعين سنة ، قلت : من أي الناس أنت ؟ قالت : من
بني تميم ، قلت : أين منزلك ؟ قالت : في
بني حصين ، فأفتيتها أنه حيض يلزمها أحكامه . والقول الثاني : يعتبر بإياسها أبعد زمان الإياس في نساء العالم كلهن كما يعتبر في أقل الحيض وأكثر الأقل ، والأكثر من عادة نساء العالم من غير أن تحيض بأهلها وعشيرتها ، فإذا حكم بإياسها على ما ذكرناه من القولين اعتدت حينئذ بثلاثة أشهر عدة المؤيسة .