مسألة : قال
الشافعي رضي الله تعالى عنه : "
ولو أوقع الطلاق فلم يدر أقبل ولادها أم بعده ، فقال : وقع بعد ما ولدت فلي الرجعة وكذبته فالقول قوله ؛ لأن الرجعة حق له والخلو من العدة حق لها ولم يدر واحد منهما كانت العدة عليها لأنها وجبت ولا نزيلها إلا بيقين ، والورع أن لا يرتجعها " . قال
الماوردي : وصورتها في رجل
طلق زوجته دون الثلاث فولدت ، ثم اختلفا هل كان الطلاق قبل الولادة أو بعدها فادعى الزوج أنه طلقها بعد الولادة وأن عدتها بالأقراء وله الرجعة ، وقالت : بل طلقني قبل الولادة فقد انقضت عدتي بها ولا رجعة لك فلا يخلو حالهما في هذا الاختلاف من ثمانية أقسام : أحدها : أن يتفقا على وقت الولادة أنه في يوم الجمعة ويختلفا في وقت الطلاق فيقول الزوج : هو يوم السبت ، وتقول الزوجة ، هو في يوم الخميس ، فالقول فيه قول الزوج مع يمينه وعليها أن تعتد بالأقراء وله الرجعة : لأن الطلاق من فعله فرجع فيه إلى قوله كما يرجع إليه في أصل وقوعه . والقسم الثاني : أن يتفقا على وقت الطلاق أنه كان في يوم الجمعة ويختلفا في وقت الولادة ، فيقول الزوج : ولدت في يوم الخميس ، وتقول الزوجة ، بل ولدت في يوم السبت ، والقول فيه قول الزوجة مع يمينها ، وقد انقضت عدتها بالولادة ، لتأخرها ولا رجعة للزوج : لأن الولادة من فعلها ومعلوم من جهتها .
[ ص: 203 ] والقسم الثالث : أن يختلفا في وقت الطلاق ، وفي وقت الولادة فيقول الزوج ، ولدت في يوم الجمعة ، وطلقت في يوم السبت ، وتقول الزوجة بل طلقت في يوم الجمعة وولدت في يوم السبت ، فإنهما يتحالفان والبادي باليمين أسبقهما بالدعوى ، وفي
كيفية اليمين وجهان : أحدهما : يحلف الزوج بالله ما طلقتها إلا بعد ولادتها ، وتحلف الزوجة بالله ما ولدت إلا بعد طلاقه ؟ لأن ذلك أوجز وأخصر . والوجه الثاني : أنهما يحلفان على صفة الدعوى فتضمن يمين كل واحد منهما إثبات ما ادعاه ونفي ما ادعي عليه ، فيقول الزوج : والله لقد ولدت في يوم الجمعة وما طلقتها إلا في يوم السبت ، وتقول الزوجة : والله لقد طلقني في يوم الجمعة ولقد ولدت في يوم السبت ، ولا تحتاج أن تقول ما ولدت إلا في يوم السبت وإن احتيج إلى ذلك في الطلاق : لأن الولادة لا تتكرر والطلاق قد يتكرر وإذا كان كذلك لم يخل حالهما في التحالف من ثلاثة أحوال : أحدها : أن ينكلا فيحكم عند نكولها بقول أسبقهما بالدعوى ، فإن كان الزوج حكم له بالرجعة ، وعليها بالعدة ، وإن كانت الزوجة حكم لها بانقضاء العدة وإسقاط الرجعة . والحال الثانية : أن يحلف أحدهما وينكل الآخر فيحكم للحالف منهما دون الناكل سواء كان سابقا بالدعوى أو مسبوقا . والحال الثالثة : أن يحلفا معا فالتحالف منهما وقع على حكمي الرجعة والعدة فأثبتهما الزوج لنفسه بيمينه ونفتهما الزوجة عنها بيمينها فوجب أن يلزم كل واحد منهما أغلظ الأمرين في حقه يقينا للتهمة عنهما فتسقط رجعة الزوج بيمين الزوجة ؛ لأنه أغلظ الأمرين عليها وأنفى للتهمة عنها . والقسم الرابع : أن يتفقا على وقت الولادة ويشكا في الطلاق هل تقدمها أو تأخر عنها فيحكم عليها بالعدة ، وللزوج الرجعة ؛ لأنا على يقين من حدوث الطلاق ، وفي شك من تقدمه ، والورع للزوج أن يرتجع لجواز تقدمه . والقسم الخامس : أن يتفقا على وقت الطلاق ويشكا في الولادة هل تقدمت عليه أو تأخرت عنه فيحكم لها بانقضاء العدة وسقوط الرجعة ؛ لأنا على يقين من حدوث الولادة وفي شك من تقدمها والورع لها أن تعتد لجواز تقدمها . والقسم السادس : أن يقول الزوج : قد علمت أنني طلقتك بعد ولادتك ، وتقول الزوجة : لست أعلم ، فالقول قول الزوج لعلمه بما جهلته وعليها العدة وله الرجعة ، ولها إحلافه على الرجعة دون العدة ، فإن لم يرتجعها فلا يمين عليه : لأن العدة تلزمها مع الجهل بأدائها .
[ ص: 204 ] والقسم السابع : أن تقول الزوجة : قد علمت أنني ولدت بعد طلاقك ، ويقول الزوج : لست أعلم فالقول قول الزوجة ولا عدة عليها ولا رجعة له ، وله
إحلافها في سقوط العدة دون الرجعة : لأنه لا يستبيح الرجعة مع الجهل باستحقاقها . والقسم الثامن : أن يجهلا جميعا وقت الولادة والطلاق ولا يعلم واحد منهما ، هل تقدم الطلاق على الولادة أو تقدمت الولادة على الطلاق فعليهما العدة وله الرجعة ؛ لأن الأصل وجوب العدة فلا تنقضي بالشك وأن الرجعة مستحقة فلا تبطل بالشك ويختار له في الورع أن لا يرتجعها احتياطا .