فصل : فإذا ثبتت هذه المقدمة فصورة المسألة في
رجل طلق امرأته وانقضت عدتها في الظاهر بالشهور أو بالأقراء ثم وضعت قبل أن تتزوج بغيره ولدا فإن رضعته لأقل من أربع سنين فهو لاحق بالزوج المطلق : لأنه إذا لم يتجاوز مدة
أكثر الحمل وهي أربع سنين أمكن أن يكون منه ، وإن كان نادرا فوجب أن يلحق به وإن خالف الغالب كما يلحق به إذا
ولدته لستة أشهر من وقت عقده وإن ندر وخالف الغالب لوجود الإمكان في الحالين مع كونهما نادرين
وتنقضي عدتهما بوضع الحمل دون ما تقدم من الشهور والأقراء ؛ لأن لحوق الولد به يمنع من انقضاء العدة بغيره ، وسواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا . وإن
وضعت الولد لأكثر من أربع سنين من فوت الطلاق لم يخل الطلاق من أن يكون بائنا أو رجعيا فإن كان بائنا والبائن واحد من ثلاث فرق . إما الطلاق الثلاث ، أو الخلع فيما دون الثلاث ، أو الفسخ بما استحق به الفسخ ، فإن الولد لا يلحق به ؛ لأن العلوق مع حادث بعد تحريمها عليه بالطلاق في حال لو وطئها حد فصار منفيا عنه بغير لعان . فأما العدة فالظاهر من مذهب
الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه : أنها تنقضي بالولادة فإن ما تقدم من الشهور أو الأقراء ؛ لأن الاستبراء بالولادة أقوى والعدة تعتبر في الاستبراء بما هو الأقوى ؛ لأنها تعتد بالشهور ، فإن وجدت الأقراء انتقلت إليها لقوتها فإن وجدت الولادة انتقلت عن الأقراء إليها لقوتها . قالوا : وليس بتكرار تعتد بوضع الولد لا يلحق به كولد الملاعنة ، والذي عندي : أن عدتها قد انقضت بالشهور أو بالأقراء التي كانت قد اعتدت بها دون ما حدث بعدها
[ ص: 207 ] من حمل لم يلحق به : لأن ما انتفى عنه لعدم الإمكان امتنع أن تنقضي به العدة
كزوجة الصغير إذا ولدت بعد موته عنها تعتد بالشهور دون الحمل . فإن قالوا : ولد الصغير لا يلحق به إذا ادعاه قيل : كذلك هو الولد لا يلحق به لو ادعاه كما لا يلحق بالزاني ما لم يدع نكاحا أو شبهة ، ولو جاز هذا لوجب أن لا يحكم لمطلقته بانقضاء العدة ما لم يتزوج حتى تجاوز أربع سنين لجواز أن تضع ولدا وهذا مدفوع . فأما ولد الملاعنة فالفرق بينهما من وجهين : أحدهما : أنه لم يحكم بانقضاء عدتها بغيره فجاز أن تقضي عدتها به ، وهذه قد حكم بانقضاء عدتها بغيره ؛ فلذلك لم تستدم العدة إلى حين وضعه . والثاني : أن ولد الملاعنة قد نفاه باللعان مع إمكانه ، وهذا نفاه الشرع باستحالته فافترقا .