الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر هذا لم يخل مسكنها وقت الطلاق من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يكون مسكن مثلها ، فعليه أن يقرها فيه ولا تخرج منه : لأن حقها قد تعين فيه بطلاقها فيه فلم يجز إخراجها منه ولم تنتقل عن حقها فوجب إخراج الزوج منه . [ ص: 251 ] والحال الثانية : أن يكون أقل من مسكن مثلها ، فإن قنعت به أقرت فيه ، ولم تخرج منه وإن لم تقنع وجب على الزوج أن يكمل حقها في مسكن مثلها ، فإن قدر على دار تلاصقها تضاف إليها فعل ، ولم يجز أن تخرج من دارها إلا للارتفاق بما أضيف إليها من باب بينهما ، وإن لم يقدر على دار تلاصقها استأجر لها مسكن مثلها في أقرب المواضع من دار طلاقها ، وكان انتقالها إليها لعذر في استيفاء الحق فجاز . والحال الثالثة : أن يكون أكثر من مسكن مثلها فهي مسألة الكتاب ، وقد قال الشافعي : " وللزوج إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر ما بينه وبينها أن يسكن في سوى ما يسعها " . وتفصيله أن يراعي حال المسكن ، فإن كان دارا ذات حجرة تنفذ إليها سكنت فيها مسكن مثلها ، والزوج في الأخرى بعد سد المنفذ أو غلقه ، فإن كان مسكن مثلها الدار سكنتها والزوج في الحجرة ، وإن كان مسكن مثلها الحجرة سكنتها والزوج في الدار ، وتكون الدار والحجرة كدارين متجاورتين ، وإن لم يكن للدار حجرة ، وكان لها علو كان العلو كالحجرة ، فإن كان مسكن مثلها العلو سكنته والزوج في السفل ، وقطع ما بين العلو والسفل بغلق باب أو سده ، وإن لم يكن للدار علو فلها حالتان : إحداهما : أن تكون واسعة تكتفي كل واحد منهما بجانب منها ، فإن قطع بين الجانبين بحاجز من بناء مكين أو خشب وثيق جاز أن تنفرد الزوجة بالسكنى في أحد الجانبين ، والزوج في الجانب الآخر ، وإن لم يكن معها دون محرم ، ولا نساء ثقات ؛ لأنها بالقطع قد صارت كالدارين ، وإن لم يقطع بينهما بحاجز لم يجز أن ينفرد بأحد الجانبين إلا مع ذي محرم أو نساء ثقات قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلو رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان . والحال الثانية : أن تكون الدار ضيقة لا تحتمل أن تقطع بحاجز فلها حالتان : أحدهما : أن تكون ذات بيوت يمكن إذا أسكن أحدهما في بيت منها ، وسكن الآخر في بيت آخر أن لا تقع عين أحدهما على الآخر فيجوز أن تسكن الزوجة في بيت منها إذا كان معها ذو محرم بالغ ، أو نساء ثقات ؛ لتكون محفوظة بمراقبة ذي المحرم البالغ والنساء الثقات ، ويسكن الزوج في بيت آخر من الدار وإن كرهنا ذلك له حذرا من أن تقع عينه عليها . والحالة الثالثة : أن تكون الدار ذات بيت واحد إذا اجتمعا فيه لا يمكن أن لا تقع عين أحدهما على الآخر فلا يجوز أن تسكن معه فيه ، وإن كان معها ذو محرم أو نساء ثقات : لأن العين لا تحفظ عند إرسالها ، قد صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل بن العباس ، وكان رديفه بمنى عن الخثعمية حين جعل ينظر إليها وجعلت تنظر إليه ، [ ص: 252 ] وقال : شاب وشابة وخفت أن يدخل الشيطان بينهما فقد منع ذلك وهو أعظم من المحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية