مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن كانت هذه المسائل في موته ففيها قولان : أحدهما ما وصفت ومن قاله احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم
لفريعة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924287امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله والثاني أن الاختيار
للورثة أن يسكنوها فإن لم يفعلوا فقد ملكوا دونه فلا سكنى لها كما لا نفقة لها ، ومن قاله قال : إن قول النبي صلى الله عليه وسلم
لفريعة : "
امكثي في بيتك ما لم يخرجك منه أهلك " لأنها وصفت أن المنزل ليس لزوجها ( قال
المزني ) : هذا أولى بقوله لأنه لا نفقة لها حاملا وغير حامل ، وقد احتج بأن الملك قد انقطع عنه بالموت ( قال
المزني ) : وكذلك قد انقطع عنه السكنى بالموت وقد أجمعوا أن من وجبت له نفقة وسكنى من " ولد ووالد على رجل فمات انقطعت النفقة لهم والسكنى لأن ماله صار ميراثا لهم ، فكذلك امرأته وولده وسائر ورثته يرثون جميع ماله " .
قال
الماوردي : أما
النفقة فلا تجب في عدة الوفاة إجماعا حاملا كانت أو حائلا ، وفي
وجوب السكنى قولان : أحدهما : لا سكنى لها . وبه قال من الصحابة
علي بن أبي طالب ،
وعبد الله بن عباس ،
وعائشة رضي الله تعالى عنهم ، وهو قول
أبي حنيفة والعراقيين واختيار
المزني . والقول الثاني : لها السكنى . وبه قال من الصحابة
عمر ،
وعثمان ،
وابن عمر ،
وابن مسعود وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة رضي الله عنهم : وهو قول
مالك ، وكثير من الفقهاء . واستدل من أسقط السكنى بأن السكنى تجري مجرى النفقة : لأنها تجب بوجوبها في الزوجية وتسقط بسقوطها في النشوز ، وقد سقطت النفقة بالموت فوجب أن تسقط به السكنى وتحريره قياسا : أن ما استحق في مدة الزوجية سقط في عدة الوفاة كالنفقة : ولأن ملكه قد انتقل بموته إلى وارثه فاقتضى أن لا يجب السكنى على الزوج لزوال ملكه كما لم تجب عليه النفقة ، وأن لا تجب على الوارث المالك : لأنه غير زوج كما لا تجب عليه النفقة : ولأنه لو وجبت لها السكنى حاملا لوجبت لها النفقة حاملا
[ ص: 257 ] كالمبتوتة ، وفي سقوط نفقتها في الحالين دليل على سقوط سكناها في الحالين ؛ ولأنه لما سقط بالموت سكنى الأقارب لسقوط نفقاتهم وجب أن يسقط به سكنى الزوجات لسقوط نفقاتهم . واستدل من أوجب السكنى بما روته
زينب بنت كعب بن عجرة أن
الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها
nindex.php?page=hadith&LINKID=924292جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه ، قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة ؛ فإنه لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له ، فقال : كيف ؟ فرددت عليه القصة ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا : فلما كان
عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أرسل إلي وسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به ، فلو لم تستحق السكنى على الزوج لما أعادها إلى مسكن قد استعاره ولم يملكه . فإن قيل : فكيف أذن لها في النقلة ثم منعها ففيها تأويلان : أحدهما : أنه كان لسهو أسقط منه . والثاني : أنه كان لاجتهاد نقل عنه . فإن قيل : فعلى هذا يكون نسخا والنسخ قبل الفعل لا يجوز . قيل : إنما لا يجوز نسخه قبل زمان فعله ، ويجوز قبل فعله ؛ ولأن العدة إذا وجبت بموت الزوج تحصينا لمائه وحفظا لحرمته كانت أوكد من عدة الطلاق المختصة بتحصين مائه دون حرمته فاقتضى أن يكون بوجوب السكنى أحق من الطلاق . وتحريره قياسا : أنها عدة من نكاح فوجب أن تستحق فيها السكنى كالطلاق : ولأنها لما خصت بالسكنى في عدة الطلاق مع قدرة الزوج على نفي ولدها باللعان كان أولى أن يختص بالسكنى في عدة الوفاة مع عدم القدرة على نفي ولدها باللعان : ولأن المغلب في عدة الوفاة التعبد ، والاستبراء تبع ، والمغلب في عدة الطلاق الاستبراء والتعبد تبع : لأن غير المدخول بها تجب عليها عدة الوفاة ولا تجب عليها عدة الطلاق فلما وجب السكنى في الاستبراء كان أولى أن تجب في التعبد : لأن حقوق الله أوكد ولفحوى هذا المعنى فرقنا بين النفقة والسكنى وبين سكنى الأقارب والزوجات ، والله أعلم .