فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا تفرعت أحكام السكنى على القولين ، فإن قلنا بوجوبها استقرت في تركة الزوج وروعي حال
مسكنها ، فإن كان ملكا للزوج أخذ الورثة جبرا بإقرارها فيه وأخذت جبرا إن امتنعت بالسكنى فيه ، وإن راضاها الورثة على الخروج منه أحدهما أو السلطان جبرا بذلك لما فيه من حق الله تعالى الذي لا يضاع ، ولو لم يكن مسكنها ملكا للزوج وجب في تركته أجرة مسكنها ، وقدمت به على الوصايا والميراث ، فإن زاحمها الغرماء استهموا في التركة على ما ذكرنا في فلسه ، فإن لم يكن للزوج تركة يحتمل السكنى لم يلزم الورثة دفعها من أموالهم ودفعها السلطان من بيت المال لما يتعلق بها من حق الله تعالى في إقامة ما تعبد به ، فإن تعذر دفعها من بيت المال سكنت المعتدة حيث شاءت ، وحفظت في نفسها حق الله تعالى ، وحق الميت . وإن قيل بسقوط السكنى فلا حق لها في تركته ولا على ورثته ولا في بيت المال ، ولها أن تسكن حيث شاءت : لأنه إذا أسقط حقها من السكنى سقط ما عليها منه إلا أن
[ ص: 259 ] تجد متطوعا بسكناها فتصير السكنى واجبا عليها وليس يخلو المتطوع بسكناها من أحد ثلاثة أصناف : أحدها : الوارث يتطوع بسكناها إما من التركة إن كانت أو من ماله تحصينا لماء ميته فيلزمها إجابته إذا أقام لها به أو بذل لها أجرته ، فإن أمكنه مسكن طلاقها كان أولى وإن أعوزه فأقرب المساكن به ، فإن أمكنه مسكن طلاقها فعدل بها إلى غيره جاز ؛ لأنه متطوع بكل واحد منهما . والقسم الثاني : السلطان لما يراه من حفظ حقوق الله تعالى في حراسة الأنساب قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس في عدتها حين أمرها أن تسكن في بيت
ابن أم مكتوم ويدفع سكناها من بيت المال : لأنه من جملة المصالح الخاصة التي له فعلها وإن لم تجب . والقسم الثالث : أجنبي يتطوع بسكناها فننظر حاله ، فإن كان متهوما ذا ريبة لم يتعرض لها ، وإن كان سليما ذا دين قام بذله لسكناها مقام بذل الورثة ولزمها أن تسكن حيث يسكنها إذا كان مسكن مثلها وأمنت على نفسها فيكون وجوب السكنى عليها مشروطا بهذين الشرطين ، فإن رضيت بدون مسكن مثلها جاز ، وإن رضيت بما لا يأمنه على نفسها لم يجز .