الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا تفرعت أحكام السكنى على القولين ، فإن قلنا بوجوبها استقرت في تركة الزوج وروعي حال مسكنها ، فإن كان ملكا للزوج أخذ الورثة جبرا بإقرارها فيه وأخذت جبرا إن امتنعت بالسكنى فيه ، وإن راضاها الورثة على الخروج منه أحدهما أو السلطان جبرا بذلك لما فيه من حق الله تعالى الذي لا يضاع ، ولو لم يكن مسكنها ملكا للزوج وجب في تركته أجرة مسكنها ، وقدمت به على الوصايا والميراث ، فإن زاحمها الغرماء استهموا في التركة على ما ذكرنا في فلسه ، فإن لم يكن للزوج تركة يحتمل السكنى لم يلزم الورثة دفعها من أموالهم ودفعها السلطان من بيت المال لما يتعلق بها من حق الله تعالى في إقامة ما تعبد به ، فإن تعذر دفعها من بيت المال سكنت المعتدة حيث شاءت ، وحفظت في نفسها حق الله تعالى ، وحق الميت . وإن قيل بسقوط السكنى فلا حق لها في تركته ولا على ورثته ولا في بيت المال ، ولها أن تسكن حيث شاءت : لأنه إذا أسقط حقها من السكنى سقط ما عليها منه إلا أن [ ص: 259 ] تجد متطوعا بسكناها فتصير السكنى واجبا عليها وليس يخلو المتطوع بسكناها من أحد ثلاثة أصناف : أحدها : الوارث يتطوع بسكناها إما من التركة إن كانت أو من ماله تحصينا لماء ميته فيلزمها إجابته إذا أقام لها به أو بذل لها أجرته ، فإن أمكنه مسكن طلاقها كان أولى وإن أعوزه فأقرب المساكن به ، فإن أمكنه مسكن طلاقها فعدل بها إلى غيره جاز ؛ لأنه متطوع بكل واحد منهما . والقسم الثاني : السلطان لما يراه من حفظ حقوق الله تعالى في حراسة الأنساب قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس في عدتها حين أمرها أن تسكن في بيت ابن أم مكتوم ويدفع سكناها من بيت المال : لأنه من جملة المصالح الخاصة التي له فعلها وإن لم تجب . والقسم الثالث : أجنبي يتطوع بسكناها فننظر حاله ، فإن كان متهوما ذا ريبة لم يتعرض لها ، وإن كان سليما ذا دين قام بذله لسكناها مقام بذل الورثة ولزمها أن تسكن حيث يسكنها إذا كان مسكن مثلها وأمنت على نفسها فيكون وجوب السكنى عليها مشروطا بهذين الشرطين ، فإن رضيت بدون مسكن مثلها جاز ، وإن رضيت بما لا يأمنه على نفسها لم يجز .

التالي السابق


الخدمات العلمية