الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر فإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر ، ثم رجعت وأكملت عدتها " . قال الماوردي : إذا وصلت إلى البلد الذي أذن لها بالسفر إليه ، وقد عرفت موته ، أو طلاقه في طريقها فاختارت التوجه إلى البلد ، أو عرفته بعد وصولها إلى البلد فالحكم بعد الوصول إليه في الحالين سواء ، ولا يخلو حالة إذنه لها في السفر من خمسة أقسام : أحدها : أن يأذن لها في النقلة إليه مستوطنة له فعليها أن تقضي فيه عدتها ، ولا يجوز أن تخرج منه قبل انقضاء العدة فيه : لأنه قد صار لها في هذه الحال وطنا فصار كطلاقه لها في بدنه . والقسم الثاني : أن يأذن لها أن تسافر إليه لحاجة تتقدر بعد دخولها بالفراغ منها إما لحج يؤدى ، أو دار تبنى لها فلها المقام حتى تؤدي حجتها وتبني دارها ، وتستكمل ، ثم لها بعد الفراغ ثلاثة أحوال : أحدها : أن يكون فراغها بعد انقضاء العدة ، فلها أن تضع بنفسها ما شاءت من مقام أو عود . والحال الثانية : أن تكون باقية في عدتها بعد الفراغ من حاجتها ، ويمكن إذا عادت إلى بلدها أن تقضي فيه بقية عدتها فعليها بعد الفراغ أن تعود إلى بلدها ، فتقضي فيه بقية عدتها . والحال الثالثة : أن تكون باقية في عدتها ، وإن عادت لم يبق من العدة ما تقضيه في بلدها ، ففي وجوب العود وجهان : أحدهما : يجب عليها العود ليكون قضاء عدتها . فيما قرب من البلد إذا تعذر أن يكون في البلد . [ ص: 263 ] والوجه الثاني : لا يلزمها العود : لأنها لا تدرك قضاء العدة في المصر ، وتكون فيه بالخيار بين المقام والعود . والقسم الثالث : أن يأذن لها أن تسافر إليه لما لا يفتقر إلى مقام فيه من رسالة تؤدى أو خبر يعرف ، فليس لها بعد دخوله أن تقيم فيه إلا مقام المسافر ثلاثة أيام : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام ، وعليها أن تخرج في اليوم الرابع إن كان المسير ممكنا ، والطريق مأمونا لتعود إلى بلدها فتقضي فيه بقية عدتها ، فإن أخرها بعد الثلاث عذر من مرض ، أو خوف فلا حرج عليها في المقام ما كان عذرها باقيا ، فإذا زالت فإن كانت العدة قد انقضت صنعت بنفسها ما شاءت وإن كانت باقية ، وأمكن أن تقضي بقيتها ببلدها لزمها العود إليه وإن لم تدرك بقيتها في بلدها ففي وجوب العود وجهان على ما مضى . والقسم الرابع : أن يأذن لها أن تقيم فيه مدة قدرها كأنه قال لها : أقيمي شهرا فهل لها إذا أدخلته بعد موته أو طلاقه أن تقيم فيه تلك المدة أم لا ؟ على قولين : أحدهما : وهو اختيار المزني أن تقيم تلك المدة لتقدم الإذن بها ، وعليها بعد انقضائها أن تعود إلى بلدها إن أدركت فيه بقية عدتها ، وإن لم تدركها فعلى ما مضى من الوجهين . والقول الثاني : قد بطل الإذن بالمدة المقدرة لاستحقاق العدة في الوطن ، وليس لها أن تقيم إلا مقام المسافر ثلاثة أيام إلا أن يقطعها عذر فتقيم ما بقي عذرها . والقسم الخامس : أن يأذن لها في السفر عنه إذنا مطلقا لا يتضمن مقاما ولا عودا فتراعي شواهد الأحوال فيه فإن دلت على المقام أقامت ، وإن دلت على العود عادت ، وإن لم يكن في شواهد الأحوال دليل اقتضى مطلق الإذن أن يكون سفر مقام : لأن العود سفر آخر يحتاج إلى إذن فيه فيلزمها قضاء العدة في البلد الذي سافرت إليه ، ثم لها الخيار بعد المدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية