فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من
سكنى المعتدة في المسكن الذي يجب أن تعتد فيه فأرادت الخروج منه فهو على ضربين : أحدهما : خروج نقلة فلا يجوز إلا من ضرورة يخاف بها على نفس أو مال فيجوز معها الانتقال عنه إلى غيره من أقرب المواضع إليه . والضرب الثاني : أن تكون لحاجة تعود عليه بعد قضائها فلا يخلو حال المعتدة من أن تكون في عدة الوفاة أو في عدة الطلاق . فإن كانت في عدة وفاة جاز أن يخرج بها في حوائجها وتعود ليلا إلى مسكنها وروى
مجاهد ، قال :
استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم ، وكن متجاورات في دار فجئن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلن : يا رسول الله إنا نستوحش الليل فنبيت عند إحدانا ، فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن ، فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة منكن إلى بيتها وإنما لم يفسح لهن في مفارقة منازلهن ليلا وفسح لهن في مفارقتها نهارا ؛ لأن الليل زمان الخلوات والاستخفاء بالفواحش فمنعهن تحصينا لهن وحفظا لمياه أزواجهن في زمان الحذر من الليل ، ورخص لهن في زمان الأمن من النهار ، وإن كانت في عدة من طلاق بات لم يجز أن تخرج من منزلها ليلا لما ذكرنا ، وفي جواز خروجها نهارا للحاجة قولان : أحدهما : وهو قوله في القديم ، وبه قال
أبو حنيفة لا يجوز أن تخرج نهارا لقول الله تعالى :
لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] . والقول الثاني : وبه قال في الجديد ، ويشبه أن يكون قول
مالك : يجوز لها الخروج نهارا ، وإن لم يستحب كالمتوفى عنها زوجها : لما روى
أبو الزبير عن
جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924297طلقت خالتي ، فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل عن الخروج ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : بلى فجذي نخلك فلعلك أن تتصدقي أو تفعلي خيرا معروفا ، قال
الشافعي : نخل
الأنصار قريب من منازلهم والجداد يكون نهارا فأذن فيه ، والله أعلم .