فصل : فإن قيل : فقد قلتم بتداخل العدتين في ثلاث مسائل فلزمكم أن تقولوا به في جميع المسائل . إحداهن : في
زوجة لرجل وطئها أجنبي بشبهة ، فدخلت في عدة الواطئ ، ثم طلقها زوجها قبل انقضاء عدة الواطئ استأنفت عدة الطلاق ، ودخلت فيها عدة الواطئ بشبهة . والجواب عن هذه المسألة أن لأصحابنا فيها وجهين : أحدهما : أن العدتين لا يتداخلان كما لم يتداخلا في غيرهما ، ويكون هذا أصلا مستمرا وتأتي بما بقي من عدة الوطء لتقدمها ثم تستأنف عدة الطلاق . والوجه الثاني : أنها تستأنف عدة الطلاق ، ويسقط بها الباقي من عدة الوطء ، ولا تدخل بقيتها في عدة الطلاق .
[ ص: 292 ] والفرق بين هذه المسألة ومسألة الخلاف : أن العدة في هذه المسألة طرأت على نكاح فجاز أن يسقط حكمها له سعفها بعدة النكاح لقوته ، وفي مسألة الخلاف طرأت عدة على عدة فلزمتا معا ، ولم يتداخلا ؛ لأن في تداخلهما سقوط إحداهما . والمسألة الثانية : إن قالوا : قد قلتم في
مشرك طلق زوجته في الشرك ثلاثا ، فتزوجت في عدتها ووطئها الثاني ، ثم فرق بينهما أنها تستأنف العدة بثلاثة أقراء تدخل فيها ما بقي من عدة الطلاق ، فكان هذا تداخل عدتين في حق المشركين ، فكذلك في حق المسلمين . والجواب عنه أنه لا يخلو حال المشركين من أن يكونا من أهل الذمة أو من أهل الحرب ، فإن كانا من أهل الحرب لم يتداخل عدتاهما : لأنه يلزمنا حفظ أنسابهم كما يلزمنا حفظ أنسابنا وإن كانا من أهل الحرب فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين : أحدهما : أن العدتين لا يتداخلان في حق المشركين كما لا يتداخلان في حق المسلمين . والوجه الثاني : تتداخل العدتان ؛ لأنه لا يلزمنا أن نحفظ أنساب المشركين فلم تتداخل العدتان في حقوقهم ، وإنما توجب العدة على المشرك حفظا لنسب من يتزوجها من المسلمين كما تستبرئ المسبية حفظا لنسب من يستمتع بها من المسلمين . والمسألة الثالثة : إن قالوا : قد قلتم في
رجل وطئ أمة اشتراها قبل أن يستبرئها ثم باعها لزم المشتري الثاني أن يستبرئها بقرء واحد ، وإن لزمها الاستبراء بقرأين ويدخل أحد الاستبراءين في الآخر كذلك تداخل العدتين . والجواب عن هذه المسألة أن لأصحابنا أيضا فيها وجهين : أحدهما : أن عليها الاستبراء بقرأين للمستبرأين ، ولا تتداخل ، وهذا أصح . والوجه الثاني : ليس عليهما إلا استبراء واحد ، ويتداخل الاستبراءان ، وإن لم تتداخل العدتان . والفرق بينهما من وجهين : أحدهما : الاستبراء أخف من العدة ؛ لأن الاستبراء بقرء واحد ، والعدة بثلاثة أقراء فجاز أن يتداخل الاستبراء لضعفه ولم تتداخل العدة لقوتها . والثاني : أن الاستبراء يجب في حق المشتري دون البائع فلم يجب على البائع استبراء بعد زوال ملكه ، ووجب على المشتري لحدوث ملكه ، وليس كذلك العدة ؛ لأنها تجب بعد ارتفاع الفراش فلم يؤثر ارتفاعه في سقوطها ، وهو العلة في وجوبها .
[ ص: 293 ]