مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
لم يلحقوه بواحد منهما أو ألحقوه بهما أو لم يكن قافة أو مات قبل أن يراه القافة أو ألقته ميتا فلا يكون ابن واحد منهما " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا
الرجوع إلى بيان القافة مع إشكال النسب ، فإن لم يكن فيهم بيان فقد ذكر
الشافعي في ذلك خمس مسائل : أحدها : أن لا يلحقوه بواحد منهما فلا يكون فيه بيان ؛ لأنه لا يقبل منهم نفيه عنهما وقد ثبت فراشهما ، وأوجب الشرع لحوقه بأحدهما ؛ لأنه قد صار موقوف النسب عليهما فقبل منهم لحوقه بأحدهما ، لأنه تمييز ما اقتضاه الشرع ، ولم يقبل نفيه عنهما ؛ لأنه نفى ما أثبته الشرع فصاروا ممن لا بيان فيهم .
والمسألة الثانية : إذا ألحقوه بهما فلا يلحق بهما ؛ لأن الشرع قد منع من لحوقه بأبوين فصاروا مثبتين لما نفاه الشرع فلم يكن فيهم بيان .
والمسألة الثالثة : إذا لم يكن قافة - يريد في موضع الولد المتنازع فيه وما قاربه إلى مسافة أقل من يوم ونصف ليلة ، ولم يرد أن لا يكونوا في الدنيا كلها ؛ لأنهم لا يخلون من الحجار ، ولا يلزم إذا بعدوا أن يحمل الولد إليهم ، ولا أن يحملوا إليه كالشهود الذي لا يلزم نقلهم ولا الانتقال إليهم ، وكالولي الغائب الذي لا يلزم نقله ولا الانتقال إليه ، ويكون خلو الموضع وما قاربه من القافة يجري عليهم حكم العدم لهم وفقد البيان منهم ، فإن تكلفوا الانتقال إليهم أو نقل القافة إليهم جاز وإن لم يجب ولزم بعد حضورهم أن يعمل على قولهم إذا كان فيه بيان .
والمسألة الرابعة : إذا
مات منهم قبل بيان القافة ميت فينظر ، فإن كان الميت المتنازعان ، أو أحدهما ، وكان القافة يعرفون الميت في حياته بكلامه وألحاظه وشمائله وأماراته فلن يؤثر موته في حكم القافة ، وجاز أن يلحقوه بعد الموت بمن حكموا بشبهه به ، وإن لم يعرفوه في حياته أو كان الميت هو الولد الذي لم يعرف ، نظر حاله بعد الموت فإن تغير في أوصافه وحلاه ارتفع حكم القافة عنه ، وإن لم يتغير وكان باقيا على أوصافه التي كان عليها في حياته ففيه وجهان : أحدهما : قد بطل حكم القافة فيهم بالموت ؛ لأنهم يعتبرون مع الشبه الظاهر ما خفي من الشبه الخفي في الكلام والألحاظ والشمائل والإشارات ، ويقتصرون على
[ ص: 305 ] أحدهما وهذا الشبه الخفي مفقود بالموت فلم يصح الحكم . والوجه الثاني : أن
الموت لا يمنع حكم القافة ؛ لأن الشبه الظاهر أقوى ، وبيانه في الحلى والأوصاف أوضح ، وإنما يفتقرون إلى الشبه الباطن في الإشارات عند إشكال الشبه الظاهر فلم يمنع ذلك من جواز الحكم بالقافة فقد مر
مجزر المدلجي بأسامة وزيد نائمين وقد تغطيا بقطيفة بدت منهما أقدامهما فقال : إن هذه الأقدام بعضهما من بعض فقضى فيهم بالشبه الظاهر ، ولم يفتقر معه إلى الشبه الباطن في الإشارات والنوم في خفاها عليه كالموت .
والمسألة الخامسة : إذا ألقت المولود ميتا ، فخلط كان موته قبل أن يستكمل أوصافه وتتناهى صورته لم يحكم فيه بالقافة ، وإن كان بعد تناهيها واستكمالها على ما ذكرنا من الوجهين ، إذا مات بعد ولادته حيا ، وإن كان حكم القافة في المولود ميتا أضعف ، فأما قول
الشافعي إذا عدم بيان القافة ، فيما ذكره من هذه المسائل الخمس أنه لا يكون ابن واحد منهما يعني بعينه للجهل به ، وإن كان ابن أحدهما لا يعينه كأنه لا أب له سواهما ، والله أعلم .