الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو اعتدت بأمر حاكم أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشرا أو نكحت ودخل بها الزوج كان حكم الزوجية بينها وبين زوجها الأول بحاله غير أنه ممنوع من فرجها بوطء شبهة . قال الماوردي : وجملة ذلك أن زوجة المفقود إذا تزوجت بعد أن حكم لها الحاكم بفسخ نكاح الأول ، ثم قدم الأول حيا أن المذاهب فيه مختلفة . فمذهب مالك وأحمد رحمهما الله أن الأول يكون بالخيار بين أن ينزعها من الثاني وبين أن يقرها عليه ، ويأخذ منه مهر مثلها ؛ لأن عمر رضي الله تعالى عنه خير المفقود حين قدم بين زوجته أو مهر مثلها ، وهذا التخيير فاسد ؛ لأنها لا يخلو أن تكون زوجة للأول فلا يجوز أن تقر مع الثاني ، أو تكون زوجة للثاني فلا يجوز أن ينتزعها الأول ، وإذا بطل التخيير من هذا الوجه كان النكاح محمولا على صحة نكاح الثاني وفساده ، فعلى قول الشافعي في الجديد نكاح الثاني وهي زوجة للأول ، ثم ينظر في الثاني ، فإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ولا شيء عليه ، وحلت للأول من وقتها وإن دخل بها الثاني فرق بينهما ، وكان وطء شبهة يوجب لها مهر المثل دون المسمى ، وعليها العدة وهي محرمة على الأول ما لم تنقض عدتها ، فإذا انقضت حلت له فأما على قوله في القديم إذا قدم الأول حيا فقد اختلف أصحابنا في نكاح الأول بعد حكم الحاكم بفسخه على أربعة أوجه : أحدها : وهو قول جمهور أصحابنا أنه محمول على معنى حكم الحاكم هل نفذ في الظاهر دون الباطن ، أو نفذ في الظاهر والباطن معا ، فإن قيل بنفوذه في الظاهر والباطن معا ، فقد بطل نكاح الأول سواء كان حيا أو ميتا ، ويكون نكاح الثاني صحيحا . وإن قيل : بنفوذه في الظاهر دون الباطن فنكاح الأول ثابت سواء نكحت بعده أو لم تنكح لزوال الظاهر مع وجود الحياة ، ويكون نكاح الثاني باطلا . والوجه الثاني : وهو محكي عن أبي علي بن أبي هريرة أن نكاح الأول ثابت في الحالين ؛ لأن علة الفسخ تغليب حكم الموت ، وقد بطلت مع وجود الحياة سواء تزوجت أو لم تتزوج . والوجه الثالث : أن نكاح الأول باطل في الحالين ؛ لأن علة الفسخ انقطاع خبره ، وعدم العلم بأثره ، وهذه العلة موجودة ، وإن بان حيا من بعد سواء تزوجت أو لم [ ص: 321 ] تتزوج ، فإن تزوجت كان نكاح الثاني صحيحا سواء بانت حياة الأول أو موته . والوجه الرابع : حكاه الداركي عن أبي إسحاق المروزي أن نكاح الأول ثابت إن لم تتزوج بغيره ، وباطل إن تزوجت بغيره ؛ لأن مقصود الحكم بفسخ نكاحه لتتزوج بغيره ، فإذا وجد المقصود استقر الحكم ، وإذا لم يوجد لم يستقر كالمتيمم مقصوده فعل الصلاة فإذا وجد الماء بعد دخوله فيها استقر حكمه ، وإذا وجد قبل الدخول فيها بطل ، فإذا تقرر ما ذكرنا من هذه الوجوه الأربعة نخرج منها في نكاح الأول وجهين : أحدهما : باطل على تفصيل الوجوه المذكورة ، فعلى هذا يكون نكاح الثاني صحيحا وعليه المهر المسمى للزوجة ولا شيء عليه للأول ، وحكى الكرابيسي أن عليه للأول مهر مثلها ، وأنكره سائر أصحابنا عليه . والوجه الثاني : أن نكاح الأول ثابت على تفصيل الوجوه المذكورة ، فعلى هذا يكون نكاح الثاني باطلا وفي زمان بطلانه وجهان : أحدهما : أنه وقع باطلا حين العقد ، فعلى هذا يكون عليه إن دخل بها مهر المثل دون المسمى ؛ لأن النكاح لا ينعقد موقوفا ولا شيء عليه إن لم يدخل بها . والوجه الثاني : أن نكاح الثاني صحيح وقت العقد ، وباطل عند العلم بحياة الأول كالغاصب إذا غرم قيمة العبد بعد إباقه ، أو الجاني إذا غرم دية العين بعد بياضها ، ثم وجد العبد ، وبرأت العين ردت القيمة بعد صحة ملكها كذلك النكاح ، فعلى هذا يلزمه المهر المسمى بعد الدخول ونصفه قبل الدخول ، وهذا الاختلاف كله إنما هو على قوله في القديم ، فأما على الجديد فلا يختلف أن نكاح الأول ثابت ، ونكاح الثاني باطل من أصله .

التالي السابق


الخدمات العلمية