الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( ولا ترث زوجها حتى يستيقن أن سيدها مات قبل زوجها فترثه وتعتد عدة الوفاة كالحرة " . قال الماوردي : إذا استدام الشك فيمن تقدم موته منهما لم ترث زوجها تغليبا لحكم الرق لجواز أن يكون موته قبل موت السيد ، واعتدت عدة حرة لجواز أن يكون موته بعد موت السيد . فإن قيل : فلم غلبتم حكم الحرية في العدة دون الميراث ، وغلبتم حكم الرق في الميراث دون العدة . قيل : لوقوع الفرق بينهما من وجهين : أحدهما : أن الميراث لا يستحق إلا بيقين فلم ترث بالشك ، والعدة واجبة بيقين فلم تخرج منها بالشك . والثاني : أن الميراث مستحق لغيرها ، فلم يجز أن يمنع من حقه بالشك ، ولا يتعلق بتغليظ العدة إسقاط حق فجاز أن يتغلظ بالشك . [ ص: 339 ] فإن قيل : فإذا منعت من استحقاق الميراث بالشك فهلا أوجبت بالشك وقف ميراثها ، حتى يزول الشك كمن طلق إحدى زوجتيه ، ولم يبق حتى مات وقف عليهما مع الشك بميراث زوجته حتى يزول الشك ، فهلا كان ميراث أم الولد موقوفا كذلك ، قيل : لأن ميراث أم الولد متردد بين استحقاقه وإسقاطه فلم يجز وقفه مع الشك في استحقاقه ، وميراث إحدى الزوجتين مستحق قطعا ، وإن أشكل مستحقه منهما فجاز أن يوقف بعد استحقاقه على بيان مستحقه . فإن قيل : فهذا الفرق يفسد بمن له زوجتان ، مسلمة وذمية طلق إحداهما ، ولم يبن حتى مات فإنه يوقف من ماله ميراث زوجته ، وإن شك في استحقاقه ، كأنه متردد بين أن تكون المطلقة هي الذمية فتستحق المسلمة الميراث ، وبين أن تكون المسلمة هي المطلقة فلا تستحق الذمية الميراث ، ولم يمنع هذا الشك في استحقاقه من أن يكون موقوفا فهلا كان ميراث أم الولد موقوفا . قيل : فهذا لا يمنع من صحة الفرق بينهما وبين أم الولد : لأن الأصل في المسلمة أنها مستحقة للميراث ، فلم تسقط ميراثها بالشك ، والأصل في أم الولد أنها غير وارثة فلم يوقف لها ميراث بالشك ، فصح بهذا الفرق ما تقدم من الفرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية