الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والأمة يطؤها تستبرأ بحيضة فإن نكحت قبلها فمفسوخ " . قال الماوردي : وجملة ذلك أن السيد إذا وطئ أمته جاز له بيعها قبل استبرائها ، ولم يجز له أن يزوجها إلا بعد استبرائها . وقال أبو حنيفة : يجوز أن يزوجها قبل الاستبراء كالبيع ، وهذا خطأ ؛ لأن المشتري يلزمه أن يستبرئ بعد ملكه لجواز أن يملك من لا تحل له ، والزوج لا يلزمه أن يستبرئ بعد نكاحه ؛ لأنه لا يجوز أن ينكح من لا تحل له فلذلك جاز بيعها قبل الاستبراء ، ولم يجز نكاحها قبل الاستبراء ، فإذا ملكها المشتري حرم عليه وطؤها بالملك حتى يستبرئها سواء كان البائع قد استبرأها قبل البيع أم لا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في سبي أوطاس : ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض وذلك لاستحداث الملك بالسبي ، وكذلك كل ملك مستحدث فإن أعتقها المشتري فأراد أن يتزوجها قبل الاستبراء نظر ، فإن كان البائع قد استبرأها قبل بيعه جاز للمشتري أن يتزوجها بعد عتقه لها ، وإن لم يستبرئها كما يجوز أن يتزوجها البائع لو لم يبعها . والفرق بين أن يطأها بالملك فلا تحل له إلا بعد الاستبراء ، وبين أن يطأها بالنكاح فتحل له قبل الاستبراء هو أن استبراء البائع لها قبل بيعها قد أبرأ رحمها في الظاهر ، [ ص: 340 ] فإن ظهر بها حمل يخالف الظاهر أمكن نفيه في النكاح باللعان دون الاستبراء ، ولم يكن نفيه في الملك إلا بالاستبراء ، فلذلك وجب تجديد الاستبراء في الوطء بالملك ، ولم يجب تجديد الاستبراء في الوطء بالنكاح ، وإن كان البائع ما استبرأها قبل بيعه لم يجز للمشتري إذا أعتقها أن يتزوجها إلا بعد استبرائها ويمنع وجوب الاستبراء من صحة النكاح كما يمنع منه وجوب العدة . وقال أبو حنيفة : يجوز ، ولا يمنع وجوب الاستبراء عنده من عقد النكاح ، وهذه مسألة أبي يوسف مع " الرشيد " فإنه استبرأ أمة ، فمن شدة ميله إليها استصعب الصبر عنها إلى أن يستبرئها فسأل أبا يوسف عن المخرج في تعجيل الاستباحة ، فقال : تعتقها وتتزوجها فحظي عنده ووصله وشكرته الجارية ووصلته ، وقالت : فككت رقي ، وجعلتني زوجة الرشيد ، والدليل على فساد ما ذهب إليه ما رواه أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يشترك رجلان في طهر امرأة وتزويجها قبل الاستبراء مفض إلى اشتراك البائع والزوج على وطئها في الطهر الواحد ، وهذا مدفوع بالنص . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تسق بمائك زرع غيرك فلم يجز للزوج أن يسقي زرع البائع بمائه ؛ ولأن وطء البائع وطء له حرمة فلم يجز نكاحها قبل استبرائها منه كوطء الشبهة مع حظر وطء الشبهة وإباحة وطء السيد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية