مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : والفرق بين ما يجزئ من مسح بعض الرأس ولا يجزئ إلا
مسح الوجه في التيمم ، إن مسح الوجه بدل من الغسل يقوم مقامه ومسح بعض الرأس بدل من غيره .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، قد ذكرنا أن الواجب من الرأس مسح بعضه ، فأما الوجه في التيمم فالواجب مسح جميعه فإن قيل : وهو سؤال لمن أوجب مسح جميع الرأس من
مالك ومن تابعه لم أجزتم
مسح بعض الرأس في الوضوء ومنعتم من مسح بعض الوجه
[ ص: 136 ] في التيمم وقد أمر الله تعالى بمسح الوجه في التيمم بحرف الباء فقال :
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة : 6 ] . كما أمر بمسح الرأس في الوضوء بحرف الباء ، فقال :
وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ، فإن كانت الباء في مسح الرأس توجب التبعيض فهلا كانت في مسح الوجه وجب التبعيض ، فإن لم توجب التبعيض في مسح الوجه فهلا كانت غير موجبة للتبعيض في مسح الرأس ؟ وهذا سؤال إلزام وكسر ، والجواب عنه أن يقال : إن الباء توجب التبعيض في اللغة ما لم يصرفها عنه دليل وقد صرفها عن التبعيض في التيمم دليل ، وعاضدها على التبعيض في الوضوء دليل فافترقا ، ثم الفرق بينهما في المعنى والحكم ما ذكره
الشافعي هو أن مسح الرأس أصل في نفسه فاعتبر فيه حكم لفظه والتيمم بدل عن غيره فاعتبر فيه حكم مبدله ، فإن قيل هذا الفرق فاسد بالمسح على الخفين ، وهذا بدل من غسل الرجلين ، ولا يلزم استيعاب مسح الخفين كما يلزم استيعاب غسل الرجلين ، قل : قد كان هذا التعليل يقتضي استيعاب مسح الخفين لكن لما كان المقصود بالمسح على الخفين الرفق والتخفيف لجوازه مع القدرة على غسل الرجلين لم يجب استيعابهما بالمسح لما فيه من المشقة المباينة للتخفيف ، وليس كذلك التيمم لأنه مغلظ بالضرورة عند العجز عن استعمال الماء فغلط بالاستيعاب ، وفرق ثان وهو أن التيمم لما تخفف بسقوط بعض الأعضاء لم يتخفف بالتبعيض ، والمسح على الخفين لا يختص إلا بالتبعيض فافترقا والله أعلم .