مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه :
ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات كلهن في الحولين قال : وتفريق الرضعات أن ترضع المولود ، ثم تقطع الرضاع ، ثم ترضع ثم تقطع كذلك ، فإذا رضع في مرة منهن ما يعلم أنه وصل إلى جوفه ما قل منه وما كثر فهي رضعة وإن التقم الثدي ، فلها قليلا وأرسله ، ثم عاد إليه كانت رضعة واحدة كما يكون الحالف لا يأكل بالنهار إلا مرة ، فيكون يأكل ويتنفس بعد الازدراد ويعود يأكل فذلك أكل مرة وإن طال ، وإن قطع قطعا بعد قليل أو كثير ثم أكل حنث ، وكان هذا أكلتين ولو أنفد ما في إحدى الثديين ، ثم تحول إلى الأخرى فأنفد ما فيها كانت رضعة واحدة " . قال
الماوردي : ومنها قوله صلى الله عليه وسلم
لعائشة رضي الله تعالى عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924343اشتري واشترطي لهم الولاء ثم شرط الولاء ، وصحح الشراء ليستقر في نفوسهم المنع من اشتراط الولاء في البيع ، ومع استقراره فالبيع باشتراطه باطل ، ولو لم يستقر لأجيز البيع حتى يستقر ، فصارت هذه الأحكام مرتفعة لزوال أسبابها لا لنسخها ، وهذا قول حكاه
المروزي ، وبعض أصحابنا واختاره
ابن أبي هريرة . والدليل من طريق المعنى أن كل سبب رفع به التحريم المؤبد إذا عري عن جنس الاستباحة افتقر إلى العدد كاللعان وما لم يعر عن جنس الاستباحة لم يفتقر إلى العدد كالنكاح والوطء ؛ ولأنه شرب لا يعدوه في العرف فوجب أن لا يقع به التحريم كرضاع الكبير ؛ ولأن ما يقع به التحريم نوعان : أقوال وأفعال ، فلما كان من الأقوال ما يفتقر
[ ص: 370 ] إلى العدد ، وهو اللعان وجب أن يكون من الأفعال ما يفتقر إلى العدد ، وهو الرضاع ، وتحريره : أنه أحد فرعي التحريم فوجب أن يكون منه ما يفتقر إلى العدد كالأقوال ؛ ولأن وصول اللبن إلى الجوف إذا عري عن عدد لم يقع به التحريم كالحقنة والسعطة فإن أكثرهم يوافق عليه . فأما الجواب عن الآية فمن وجهين : أحدهما : وهو محكي عن
ابن أبي هريرة أن قوله :
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ النساء : 123 ] يقتضي إثباتها أما أولا ثم ترضع فتحرم ، وليس في عموم الآية ما يدل على إثباتها أما ، ولو قال : واللاتي أرضعنكم هن أمهاتكم صح لهم استعمال العموم . والثاني : أنه لا فرق بين تقدم الوصف للموصوف وتأخره في استعماله على عمومه ما لم يرد تخصيص ، وقد خصه ما رويناه من الأخبار التي قصد بها قدر ما يقع به التحريم ، وقول
ابن عمر : قضاء الله أولى من قضاء
ابن الزبير فهو كما قال : ونحن إنما خصصناه برواية
ابن الزبير لانقضائه . وأما الجواب عن الأخبار فمن وجهين : أحدهما : أن قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=924331الرضاعة من المجاعة يدفع أن تكون المصة محرمه ؛ لأنها لا تسد جوعه . والثاني : أنها أخبار قصد بها تحريم الرضاع ، وأخبارنا قصد بها عدد الرضاع فاقتضى أن يكون كل واحد منهما محمولا على ما قصد به . وأما قياسهم على النكاح والوطء ، فالمعنى فيه أنه تحريم لم يرد عن جنس الاستباحة ، وأما قياسهم على الحد في الشرب فالمعنى فيه أن المشروب محرم فلم يعتبر فيه العدد واستوى حكم قليله وكثيره ، والرضاع يحدث عنه التحريم فافترق حكم قليله وكثيره . وأما استدلالهم بالفطر ، فمعناه مخالف لمعنى الرضاع ؛ لأن الفطر يقع بما وصل إلى الجوف على أي صفة كان ، ولذلك لو خرج جائفه أفطر بها ، والرضاع يحرم إذا غذى وأنبت اللحم وأنشز العظم ، فافترق أكلتين ولو أنفد ما في إحدى الثديين ثم تحول إلى الأخرى فأنفذ ما فيها كانت رضعة واحدة ، وهذا كما قال : لأن تحريم الرضاع إذا كان محددا بخمس رضعات وجب تحديد الرضعة وتقديرها والمقادير تؤخذ من أحد ثلاثة أوجه : من شرع أو لغة أو عرف ، وليس له في الشرع واللغة حد فوجب أن يؤخذ من جهة العرف ، والعرف في الرضعة أنها ما اتصل شربها ثم انفصل تركها ، فإن تخلل
[ ص: 371 ] فترة الانقطاع نفس أو لهث أو لازدراد ما اجتمع في فمه أو لاستمراء ما حصل في فمه وحلقه ، ثم عاود الثدي مرتضعا ، فهي رضعة واحدة ؛ لأن العرف في الرضعة أن يتخللها فترات واستراحة ولهث كمن حلف لا يأكل إلا مرة مقتر في أكله لقطع نفس أو ازدراد أو لهث ، ثم عاود الأكل كانت أكلة واحدة ولم يحنث ، وهكذا لو انتقل الطفل من أحد الثديين إلى الآخر كانت رضعة واحدة كما انتقل الحالف من لون إلى لون لم يحنث ، ولو ترك الثدي وقطع الرضعة لغير سبب ، ثم عاود مرتضعا نظر في زمان الفترة ، فإن قل فهي رضعة وإن طال فهي رضعتان وكذلك حكم الحالف إذا قطع ثم عاوده .