مسألة : قال
المزني رضي الله عنه : " وأدخل
الشافعي رحمه الله تعالى على من قال : إن كان ما خلط باللبن أغلب لم يحرم ، وإن كان اللبن الأغلب حرم ، فقال : أرأيت لو خلط حراما بطعام وكان مستهلكا في الطعام ، أما يحرم فكذلك اللبن " . قال
الماوردي : وهذا كما قال :
إذا شيب اللبن بمائع اختلط به من ماء أو خل أو خمر ثبت به التحريم غالبا كان أو مغلوبا ، وكذلك لو شيب اللبن بجامد كالدقيق والعصيد فأكله ثبت به التحريم غالبا كان أو مغلوبا . وقال
أبو حنيفة : إن اختلط بمائع نشر الحرمة إن كان غالبا ، ولم ينشر الحرمة إن كان مغلوبا ، وإن اختلط بجامد لم ينشر الحرمة سواء كان غالبا أو مغلوبا . وقال
أبو يوسف ،
ومحمد : نشر الحرمة إذا كان غالبا سواء اختلط بمائع أو بجامد ، ولا ينشر الحرمة إن كان مغلوبا وحكى
المزني نحوه استدلالا على اعتبار
[ ص: 374 ] الغلبة ، فإن اللبن إذا كان مغلوبا صار مستهلكا بما غلب عليه ، وزال عنه الاسم ، وارتفع عنه الحكم . أما زوال اسمه ؛ فلأن رجلا لو حلف لا يشرب اللبن فغلب عليه الماء لم يحنث بشربه . وأما ارتفاع حكمه ؛ فلأن الخمر لو كان مغلوبا في الماء لم يجب الحد بشربه ، ولو كان الطيب مغلوبا في الماء لم يفد المحرم باستعماله ، فإذا زال عن المغلوب اسمه ، وحكمه لم يجز أن يثبت بمغلوب اللبن تحريم الرضاع لما فيه من ذهاب اسمه ، وحكمه ، ودليلنا هو أن تحريم اللبن إذا كان خالصا يتعلق به فتعلق به إذا كان مختلطا قياسا عليه إذا كان غالبا ؛ ولأن كل ممازجة تسلب حكم اللبن إذا كان غالبا لم تسلب حكمه إذا كان مغلوبا . دليله إذا خلط لبن آدمية بلبن بهيمة فإنهم يوافقون على ثبوت التحريم ، وإن كان لبن البهيمة أكثر ؛ ولأن كل ما تعلق به التحريم غالبا تعلق به مغلوبا كالنجاسة في قليل الماء ؛ ولأن اختلاط اللبن بالماء قبل دخوله فمه كاختلاطه به في فمه ، ولو اختلط به في فمه ثبت به التحريم وإن كان مغلوبا ، كذلك إذا اختلط قبل دخوله فمه . فأما استدلالهم بزوال اسمه الموجب لارتفاع حكمه ، فالجواب عنه من وجهين : أحدهما : أن مطلق الاسم يتناول الخالص دون الغالب ، ثم لا يقتضي زوال الاسم عنه إذا كان غالبا من وقوع التحريم به كذلك إذا كان مغلوبا . والثاني : أن الحكم متعلق بالمعنى دون الاسم ، والمعنى حصول اللبن في جوفه ، وقد حصل بالامتزاج غالبا ومغلوبا كالنجاسة إذا غلب الماء عليها ثبت حكمها مع زوال اسمها . فأما سقوط الحد بمغلوب الخمر دون غالبه ، فلأن الحدود تدرأ بالشبهات . فأما سقوط الفدية بمستهلك الطيب في الماء فلزوال الاستمتاع به . وأما سقوط الكفارة عن الحالف فلأن الأيمان محمولة على العرف .