فصل : وأما الحكم الثالث : وهو صفة الضمان فالكلام فيه يشتمل على فصلين : أحدهما :
صفة ما تضمنه الزوج لزوجته المرتضعة ، وذلك معتبر بالمسمى في العقد وإن كان قدر مهر المثل فما زاد وجب لها نصف المسمى ، وإن كان أقل من مهر المثل كان مبنيا على اختلاف قول
الشافعي في الذي بيده عقد النكاح . فإن قيل : إنه الزوج دون الأب لم يكن للأب أن يزوج بنته الصغيرة بأقل من مهر المثل فيكون المسمى إذا نقص منه باطلا ، ويجب لها نصف مهر المثل ، وإن قيل : إنه الأب ، ففي جواز تزويجه لها بأقل من مهر المثل وجهان : أحدهما : يجوز ؛ لأنه لما جاز له أن يبرئ من جميع المهر ، فأولى أن يزوج بأقل من مهر المثل ، فتكون لها نصف المسمى ، وإن نقص عن مهر مثلها . والوجه الثاني : وهو أصح أنه لا يجوز أن يزوجها بأقل من مهر مثلها ، وإن جاز أن يبرئ من جميع مهرها ؛ لأنه يبرئ منه بعد الطلاق ليستفيد مثله في النكاح المستقبل وخالف ابتداء العقد ؛ لأنه قد أسقط لها حقا لا يستفيد مثله .
[ ص: 384 ] والفصل الثاني :
صفة ما تضمنه المرضعة للزوج ، وهو نصف مهر المثل دون المسمى ، سواء زاد عليه أو نقص منه . وقال
أبو حنيفة : يرجع عليها بنصف المسمى ؛ لأنه القدر الذي غرمه فلم يرجع إلا بمثله ، وهذا فاسد ؛ لأن الزوج ضمن المهر بالعقد فلم يلزمه إلا المسمى فيه ، والمرضعة استهلكت البضع بالتحريم فلزمها قيمة ما استهلكت وهو مهر المثل كمن استهلك على المشتري ما اشتراه لم يغرم إلا القيمة ، وإن غرم المشتري الثمن المسمى بزيادته ونقصه ، فعلى هذا لو كان مهر مثلها ألفا ، وقد أصدقها ألفين غرم لها ألفا ورجع على المرضعة بخمسمائة ؛ لأن الزيادة محاباة كالعطايا ، والله أعلم .